أسباب عديدة لسفر وحيد
كانوا أربعة، وقفوا بجوار فراشي، أيقظوني بغير أسمي، فقفزت مذعورا، لم أتعرف على أي منهم، سوى الذي وقف قبالتي، إذ ابتسم لحظة أن وقعت عيناي على ملامحه، كان يشبه أبي كثيرا، لكن لحيته أكثر كثافة وبياضا، قال فيما يشبه الهمس: هيا. كانت عيناه تشيران نحوي، والنحو الدفتر ذي الورقات العشرين، وما أن لمح النوم المباغت يدلي برأسي فوق صدري، حتى أعطى الرجال معه أشارة، حملوني بعدها، ومشوا بي عبر الممر المؤدي إلى الباب الخارجي، وقد أوشكوا أن يتعثروا بجسد أمي النائمة، وجدتهم يضعونني داخل صندوق سيارة نقل حمراء، مغطى بشراع أخضر. غادر الثلاثة بعدها الفتحة الخلفية، بينما شبيه أبي يثب بقدم واحدة، معتمدا على يديه، شادا طرف حبل يجعل شراع الفتحة الخلفية مشرعا على آخره، وما أن سحبه حتى أنفرد الشراع المطوي تماما، حاجبا عن بصري بياض فجر جديد، وأخير في الوقت نفسه، إلا أن ضوءا لمحه يتخلل حلقات نحاسية صغيرة، يدخل عبر إحداها الحبل من يده الخارجية، ويده الأخرى داخل الصندوق عندي، تشد الحبل، وتدخله في حلقة أخرى، وهكذا، حتى أوثق الحبل جيدا، ليخبط جانب السيارة، التي هدر محركها فورا، وظل لثوان، حاولت خلالها أن أرى ما يحدث خارجا، إلا أن السيارة تحركت ببطء، لحظت أن وجدت حلقة نحاسية فارغة، اقتربت منها ورأيت الدنيا، وصباح الحي يستيقظ بطيئا، وشبيه أبي يمسد لحيته الكثة وينفض ثيابه وسط الشارع، كان ينفضها جيدا، وكأن شيئا عالقا بها، وأكد لي ذلك الإحساس، أنه حالما فرغ من تفض ثيابه، فرك بحذائه وسط الشارع، بل انه بدأ يركل بحذائه الشارع بقوة، كمن يقتل جرثومة أو حشرة صغيرة.