عزازي علي عزازي
” استيقظت، حاولت أن أرفع رأسي فاصطدم بالسقف، التفت بصعوبة حتى كأن السقف هبط تماما، موشكا لأن يلامس أرضية الغرفة، لكنه إرتطم بجسدي الضئيل، سحبت جسدي من أسفل السرير، كلما حالت أن أرفعه، بدأت أفتش عن نفسي في زوايا الغرفة، ودخل خزانة الملابس وتحت الطاولة، لكنني وجدتني أخيرا دافنا ذقني بين ركبتي موزعا نظراتي المستريبة بين الصباح الواقف قبالة النافذة وبين الباب، فتحت الباب، فألقيت ملائكة صغيرة، مجللة بالبياض والفرح همست وقد أغلقت الباب ثانية: “إنه العيد”.
ويوسف المحيميد قاص عربي يمزج في السرد بين حلم الطفولة في الانطلاق ورغبة القص في الانتعاق من أسر تقليدية، تلك السقف الصلد الذي يصطدم برغبة الإنسان العربي المعاصر في تجاوز واقعه الأسمنئ والخروج من ثقب الباب المنغلق إلى جنات الإبداع الواسعة فالحرية هي عيده، والملائكة قابعون بعد الباب، والصباح ابن النافذة المفتوحة.. ومجموعته القصصية ( رجفة أثوابهم البيض).
محاولة للغوص الشاعري في زمن البراءة والسؤال، زمن الطفولة الأبيض الملائكي، حيث رجفة الخوف من تعكير بياض الثوب بسواد الكبت، يحلم بطله(الصبي) بأنهار الماء شلالاً تسعى الجداول بالخضرة الدائمة، ويحلم بالفكاك من الصناديق المغلقة كالأكفان، يكره اصطدام السقف برغبة الرأس في الارتفاع والتحليق.. يوسف المحيميد يفتح نافذة القلب الحليب لطفل (عليشة) القديمة، لينقذ من ثقوب الأبواب والحلقة النحاسية القابضة، يراع عبر القص. إلى الهواء الطلق ليتحدث حديث الكائنات الرقيقة، يغني بصوت عال فوق الأرصفة وفي الميادين… يقترب المحيميد- في سرده- من نمط السيرة الذاتية ليضفي طابع الحميمية وصدق التجربة على عالمه القصصي المفعم بالشاعرية والحضور البصري بالغ الشفافية.
وتعتمد بنية القص عند المحيميد على مستويين هما التشكيلية والشاعرية وعلى الرغم من جمالية البنية وشاعرية النص. إلا أن ذلك لم يطغ على تلقائية الحكي وبراءة السرد الطفولي، ولا على السياقات الاجتماعية والإنسانية التي احتوتها النصوص بعذوبة جعلتنا – كمتلقين- نهيم معه في جماليات المكان بكل سدوده وحدوده وانطلاقاته، وهذا النمط من السرد الذي يستوعب المكان جماليا وأنثربولوجياً يفجر قضية أخرى لا على مسار النقد بل تتعلق بالفهم القاصر الذي غزته الحقبة السبعينية عن بادية العرب التي لا يرى فيها البعض سوى أنها مجرد صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، وأن المكان القفر مازال في حاجة إلى قبيلة جرهم الجديدة لتعمر المكان وتبدأ رحلة المصـاهرة والانصهار لتخلق عالما جديدا ومازال البعض يختزل تاريخ هذه المنطقة في برميل النفط، لكي تتلقى هذه الصورة القاصرة والقاسية مع غلاة المستشرفين لمعادين العرب والعروبة، ربما كان النفط أسوا ما أنجبت هذه التربة العربية، لأنه جاء ليظلم كل المكونات الاجتماعية.
0 تعليق