أميمة الخميس
لن نستطيع أن نفرغ القارورة من حمولتها الثقافية في رواية (القارورة) ليوسف المحيميد، وكأن هذا العنوان هو هوية مبطنة، أو لربما خارطة سرية سيسير عليها القارئ طوال الرواية، وهو برفقة ذلك الكيان الزجاجي الجميل الشفاف بإعجاز.. ولكن القابل للكسر بسهولة أيضا، تماما في نفس المواقع والأرفف التي تقبع فوقها كإرث ثقافي.
حيث النساء المحاصرات بالسجن الذي ينتظر جميع من يرتكبن خطيئة المعرفة، ويجرؤن على العبث بإقفال غرف الغول السرية ، النساء اللواتي يتبرقش جلدهن بالأحمر، كعلامات فارقة يرشقها المجتمع عليهن حتى لا تنتقل العدوى لبقية القطيع، سواء كانت (منيرة الساهي) بطلة الرواية ، أو النساء اللواتي احتشد بهن السجن الذي تعمل فيه (منيرة) وتهمهن التي تتراوح بين اقتناء الممنوعات ، والقتل دفاعا عن روح تزهق يوما اثر الآخر ، فكانت خطيئة (منيرة الساهي) جرم الكتابة، وامتشاقها للقلم، فالقلم كان طوال التاريخ أداة ذكورية، وحينما عبثت به أطلق ضوء صارخا، دل جميع ضباع الوادي إليها وبدورها أتت ونهشت جسدها المكتنز، وخطيئة الأخريات هي اللعب بين الأسلاك الشائكة، وحقول الألغام.
(منيرة الساهي) في تلك الهيئة البهية المسرفة في تفاصيلها الأنثوية تقترب من الفانتازيا ، تتوافق مع حلم يقبع عميقا في أرض الأحلام ، منيرة الساهي هي الأنيما (الأنثى) للراوي، ألم يقل فلوبير عندما سئل:
– من هي مدام بوفاري؟ فقال: أنا.
منيرة الساهي كانت نصف أو كل أو بعضا من نساء كثيرات مررن بي ، جالستهن واستمعت لنبض أحزانهن الكونية الجليلة كثيراً.. منيرة الساهي تغلبت على مصير القارورة، وتحولت إلى مصيرها البشري المحاصر بقوانين الرمال.. كانت موجودة بجانبي وأنا أقرأ الرواية، لأنني كثيراً ما كنت انتفض وأفاجأ بها على المقعد المقابل تسرد قصتها بأنين خافت.. لكنه واضح المعالم.
جريدة الجزيرة- عدد11758 تاريخ 25/10/1425هـ الموافق7/12/2004م
0 تعليق