شوقي بدر يوسف
” الملل والسأم يجعلان الكائن كالغريق، الغريق الذي يلـوّح بيده ليس للبحارة ولا للغواصـين، وإنمـا لحيوان مبـارك اسمه الدلفين ” .
خالد اللحيانى في ” نزهة الدلفين ” ” الحب هو شـعر الحواس، ومفـتاح كل ما هو عظيم فى الحياة الإنسانية ” بلزاك
بصدور روايته الأخيرة ” نزهة الدلفين ” عن دار الريس للكتب 2006، والذي جاءت بعد مجموعتين قصصيتين هما
” ظهيرة لا مشاة لها ” 1989، و ” رجفة أثوابهم البيض ” 1993، وثلاث روايات هي ” لغط موتى ” 2003، ” فخاخ الرائحة ” 2003، ” القارورة ” 2004، يدخل الكاتب السعودي يوسف المحيميد بهذا النص تجربة، ومنطقة جديدة من مناطق الإبداع، تختلف تماما عما ذهب إليه في رواياته، ونصوصه السابقة، وهى تجربة المراوغة، والتجريب في الشكل السردي، من خلال تجسيد بنية سردية، تتكئ على رؤية شعورية تتمحور في تجربتها حول الواقع، وفى نفس الوقت على تجربة عاطفية لا شعورية مأزومة، تعتمد على حالة من حالات الوجد، والانجذاب نحو الآخر، عبر تجسيد مظهر من مظاهر الحميمية الحسية المتواجدة في الطبيعة، أخذها الكاتب عن الحيوان البحري المعروف باسم ” الدولفين ” ككيان رمزي مكثف، وشفرة خاصة وظفها بإلحاح شديد داخل نسيج النص للتعبير عن شبقية الحياة ورعونتها، من خلال تقديم شخصيات ذات طبيعة نفسية خاصة، قدمت نفسها من خلال تعدد الأصوات، والتكنيك النفسي، عرض فيه الكاتب كثيرا من الأفكار المتسمة بالخفاء، والجرأة في تناول مناطق مسكوت عنها، ومضمرة من النفس، في رحلة كاشفة للذات، وتجربة فاعلة تتماهى فيها الأحداث إلى أبعد حدود التماهى، ومن خلال عاطفة حب جياشة، متقدة، شكلت المحور الرئيسي للنص . و قد جسد الكاتب هذه العاطفة عبر ثلاث شخصيات خليجية، رجلان وامرأة، جمعتهم أمكنة عديدة في مدن عربية وأجنبية مختلفة، في دبي، والقاهرة، ولندن، في حالة من حالات التنقل، وضرورة خاصة من ضرورات السفر، وحضور المؤتمرات، وفى نطاق عاطفة حب مشبوبة، ومشاعر متوهجة، وأحداث رمزية طالت هذه الشخصيات الثلاثة التي تمثل داخل النص مثلث متساوي الأضلاع، كل ضلع له تجربته الخاصة المسرودة عبر واقعها الخاص، وعبر زمن راهن يغطى وجودها الذاتي والحسي، وذاكرة ذاتية نشطة تلاحقها، وتحيل إلى الماضي وقائع محددة شكلت جزءا محددا من تاريخها الاجتماعي الخاص، وحوت ما تختزنه ذاكرتها من وقائع وإحالات هي جزء من التجربة الإنسانية الفاعلة التي مرت بها هذه الشخصيات في حياتها، وتشكلت منها شخصيتها وهويتها الثقافية والاجتماعية والعاطفية .
مراوغة النص
قسم الكاتب نصه الروائي إلى متواليات حكائية قصيرة تشبه إلى حد كبير تكنيك القصة القصيرة الوامضة، وضع في كل متوالية خلاصة رؤيته تجاه واقع الشخصية في إيقاع حكائى سريع، ورسم لكل منها ملمحا من ملامح ممارساتها في هذا المناخ المحدد، وهو بهذه الطريقة لم يفصح عن وجود حدث رئيسي تتحلق حوله الشخصيات، إنما جاء هذا النسق من خلال مراوغة نصية، استبانت ملامحها عبر التنقل السريع بين أماكن ومدن مختلفة لتحرير التجربة من التحديدات والثوابت، وترك الحرية لذات الشخصية لتعبر عما يجول بداخلها من مشاعر، وهواجس ذاتية حسب ما يملى عليها مناخ المكان، وخصوصية الموقف . ولاشك أن هذا التغّير المكاني الذي طرحه الكاتب قد شارك مشاركة فعالة في صنع مراوغة النص، ودينامية تغيره من آن لآخر حسبما تتواجد الشخصية وترفد من ذاتها وهواجسها وبوحها الذاتي .
يبدأ النص بهذه العبارة : ” كانوا ثلاثة. امرأة ورجلين .. يمشى الرجل الطويل أمامهما متغاضيا عمّا يحدث، بينما الرجل القصير يشبك يده بيد المرأة ويمشيان خلفه، حين يتوقف الطويل ملتفتا، مطمئنا أو سائلا، تفترق اليدان سريعا باتفاق مضمر، تهربان فزعتين كما لو كانت طيور يحفّها الحذر، تهربان مثل دلفينين يركضان بانسياب في بهاء الماء ” (1) . بهذه العبارة التي تختزل النص بأكمله يتجسد اللقاء الذي يجمع هذه الشخصيات الثلاث في مشهد سريع، يعبر عن عاطفة حميمية متقلبة، ومستثارة دائما على طول النص، تجمع العاطفة هذه الشخصيات في بوتقة واحدة، تتنقل معهما أينما كانوا، وأينما حلوا، وإن كانت عاطفة الحب المتقدة والمشبوبة تخص رجلا وامرأة منهم بخصوصية التوهج، كما تتجسد في نفس الوقت في هذا السياق، الهيئة الجسدية للرجلين، أحدهما طويل، يأخذ سمة الأب، وهو الناقد أحمد الجساسي، أحد مثقفي الخليج، والآخر قصير، يأخذ سمة مغايرة، وهو الشاعر خالد اللحياني من المملكة العربية السعودية، والرجلان تجمعهما أواصر صداقة قوية، أما المرأة فهي آمنة المشيري وهى كاتبة من الأمارات كما قدمها خالد إلى أحدى الشاعرات، ومنذ البداية تبدأ المراوغة النصية في شكل هواجس، وأفكار مستثارة، تراود عقل خالد اللحياني، وتتحرك داخله في حالة من حالات الشك، والوساوس، والاضطراب نحو طبيعة علاقة صديقة أحمد بحبيبته آمنة، خاصة وأن هذه الهواجس يؤيدها ممارسات كل من أحمد وآمنة اللذين جلسا متجاورين في سيارة الأجرة بطريقة متعمدة، أثناء توجههم إلى حي الحسين بالقاهرة، بينما أجبر هو على الركوب بجوار السائق . كذلك حين تسللا معا من ندوة الأتيلييه أثناء إلقائه قصائده، وتركاه وحده، وهو أشد ما يكون أحوج لهما في هذه اللحظات الحادة والمشحونة بالتوتر والقلق، مما انعكس على إلقائه الشعري فبدا كما لو كان يطحن حجرا، : ” كم كان وحيدا بأناقته المفرطة وهو يقرأ قصائده على المنصة، ويبحث عن وجه حبيبته دون جدوى، حتى شعر في لحظة حاسمة أنه يقرأ أمام مقاعد خشبية فارغة! أو ربما رأى دمى ملقاة على المقاعد جامدة لا تبتسم ولا تصفّق، لا تجلس ولا تذهب. وقت أن خرج من القاعة هائما، أعترضه صحافي ليسأله سريعا عن موقفه من قصيدة النثر العربية، لكنه أزاحه عن طريقه برفق، كمن يهّش طيفا لا مرئيا، وانحدر راكضا في الشارع مضطربا، لا يرى غير ما يريد ” (2) . تلك كانت مأساة خالد اللحيانى الذاتية، حساسيته المفرطة، والسقوط في وهدة الشك، والوساوس، تجاه من يحب ومن يأمن له، صديقه الصدوق الذي يعشق دريدا، وبارت، والتفكيك، والبنيوية، والذي قال عنه أرسطو : ” الصديق إنسان هو أنت إلا أنه بالشخص غيرك “، والمرأة التي اختارها لتشاركه عاطفته، ولتتجسد من خلالها المشاركة الوجدانية في لحظات نشأة المشاعر وتناميها .
ولاشك أن نوازع الالتباس التي راودت خالد اللحيانى في هذه المواقف الحادة والمشحونة بالتوتر والتي أطلق على واحد منها، وهو يوم ندوة الأتيلييه، ” الثلاثاء الأسود “، هو صلب الحدث الهلامي الذي جسده الكاتب في هذا النص المراوغ من خلال هواجسه المرضية المأزومة، وعاطفته المتقدة، وشفرته الغرائبية الموظفة لتحرير عاطفة الشاعر، وكبح جماحها في رحلته الكونية، أو في نزهته المتجددة، مع دلفينه العاشق إن صح هذا التعبير . فالمفردات والمواقف المتكررة لمشاهد عناق الأيدي، والحوارات الساعية لا إلى تثبيت الزمان الذي تلمح إليه العاطفة المشبوبة المتبادلة بين خالد وآمنة، بل إلى تفاعل شفرة الدلفين مع النفس الحائرة والحاملة لهواجسها، ونوازعها، تجاه تغريب بعض المواقف، لاستحضار التجربة بكل أبعادها، وتعقيداتها، وتداخلاتها، لا بصفتها واقعا، وإنما بصفتها صورة من الصور الذهنية المشوشة التي نبعت من الغيرة والشك والظنون المتأصلة داخل نفسية شخصية خالد اللحياني، وهى الشخصية المستثارة دائما بفعل بعض المواقف المتفاقمة بطريقة مأزومة, والظاهرة بطريقة مرضية عبر المسار السردي للنص، ولا شك إنها كانت في الحالتين هي المحرك للأحداث، وأن مركزية المراوغة كانت تنبع من مفردة دالة واحدة، كانت هي الأخرى المحرك والباعث على الاحتفاء بها والاتكاء عليها داخل البنية السردية . ففي سرد الذات وهو ما ظهر واضحا جليا داخل النص تبدو الحكاية – إن كانت هناك حكاية تحكى على نحو مألوف – تبدو كما لو كانت تنحو نحو الشعرية بمفهوم الذاتية وهو ما نجح الكاتب في التعبير عنها من خلال طرح بعض الأسئلة والهموم الفكرية وعذابات النفس وأحلامها، حيث عبّر كل من خالد وأحمد وآمنة عن همومهم الحياتية أثناء نزهتهم في كل الأماكن التي حضروا إليها خاصة في القاهرة . وقد منح هذا التداعي في الخواطر لكل منهم تعددية في أصوات التعبير عن الهموم الذاتية، وآلية في محاكاة النفس وبحثها عن الإنعتاق الدائم من كل ما مر بها، وما يراودها في حياتها العاطفية اليومية.
التخييل وواقعية الذات
على الرغم من حالة الواقعية التي يتسم بها النص، ويرتسم حدودها، ويتفاعل مع تفاصيلها المعرفية الدقيقة من خلال الوصف المسهب لكل ما جاء في نسيجه من أمكنة، وممارسات، ووقائع، وأساطير، وموروثات، وخبرات خاصة، طالت شخصيات الرواية الثلاثة، بأبعادها النفسية والجسدية وأصداء سيرتها الذاتية، إلا أن الكاتب قد عوّل إلى البحث عن الخيالي في الشيء الواقعي، وهذا الخيالي هو الاحتفاء بتخيل الأيدي المتشابكة لتكون كالدلفين العابث، الشبق، الباحث عن الحب، والمتعة في ذات الوقائع المراوغة التي حفل بها النص ونسيجه السردي، حيث تكررت كلمة الدلفين – كمفردة دالة بطريقة مكثفة – في مناطق كثيرة من النص، عند التعبير عن التلاحم العاطفي، والشبقي خاصة في لقاءات كل من خالد وآمنة في أماكن كثيرة، في سيارة الأجرة عند ذهابهم إلى حي الحسين، عند دخول المتحف البحري، عند خروجهم من الفندق تجاه النيل، فسيرهم بشارع إدجوار رود بلندن، عند مشاهدتهم لفيلم تايتانك، حتى في تراسلهما عن بعد كانت كلمة الدلفين هذا المعنى الدال، وهذه الشفرة الخاصة بينهما هي محور هذا التراسل والتخاطب العاطفي، وهو الرمز الجامح والجامع لمشاعرهما المتدفقة المتقدة . وفى أماكن كثيرة، كانت أيديهما هما المتحاورتان، والعابثتان والمعبرتان عن المراوغة اللذان يجيدان اللعب بها، حتى في لحظات صمتهما، كانت شبقية الصمت هي الدفقة الزاعقة خلال مواقفهما العاطفية المتواترة : ” في سيارة الضيوف جلسا معا في المقعد الخلفي، حيث ألقى يده دون قصد في المساحة بينهما على مرتبة الجلد داخل سيارة الكابريس الكحلي، بينما رمت دلفينها لأول مرة قرب يده، كأنما أحدهما صيّاد يرمى سنّارته وينتظر، كانت المسافة بينهما لا تزيد عن مليمترات معدودة، أنفاس الدلافين الساخنة تفضي بشيء سرّى وسحري، كان التخاطب بينهما صامتا، فلا يعرف آنذاك إن كانت قصدت أن تجعل يدها على مسافة شهقة من يده أم لا، ولم تعرف هي أيضا إن كان قد تعلّقت روحه بعينيها أم لا، كانت اللحظة مشوّشة كثيرا، ولم يجرؤ أي منهما على سحب دلفينه إلى محيطه، كما لم يجرؤ أي منهما أن يدفعها قليلا باتجاه الآخر! اللحظة آنذاك كانت صعبة، ممتعة ومؤلمة معا! ” (2) . في هذا المقطع من النص يبرز نسق خاص رامز لعلاقة عاطفية طاغية، ومتقاربة ولكنها في نفس الوقت صامتة، وغير مكتملة، رمز لها الكاتب بشفرته الخاصة، الفاعلة، والمؤثرة، والحاملة لدلالة المعنى في كل أبعادها النصية وهى كلمة ” الدلفين ” . ولعل هذا البعد النفسي في هذا المشهد أيضا يعطينا دلالة على عمق الرؤية التي عبر عنها الكاتب بخطاب صامت بين خالد وآمنة، وهو ما تنسحب دلالته وترتكز على هذه المفردة المتكررة، والملحة في الحضور، حيث نجدها تتواجد في أكثر من مشهد، وأكثر من فصل لتعبر عن الواقع الممتزج بتخييل خاص يستخدم لإبراز وجهة نظر الكاتب في تجربته السردية، وفى التيمة الحكائية الأساسية في النص، والمعبرة في الاتكاء عليها عن العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة، والدليل على ذلك أن الكاتب قد صدر بها النص في عتبته الأولى من خلال : أولا، العنوان، وثانيا حين اجتزأ من كتاب ” عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ” للإمام العالم زكريا القزوينى هذا المقطع وصدر بها نصه الروائي : ” الدلفين حيوان مبارك إذا رآه أصحاب المركب استبشروا وذلك أنه إذا رأى غريقا في البحر ساقه نحو الساحل، وربما دخل تحته وحمله، وربما جعل ذنبه في يده ليمشى به إلى الساحل، وقيل له جناحان طويلان فإذا رأى المركب تسير بقلوعها رفع جناحيه تشبيها بالمركب، وينادى، وإذا رأى غريقا قصده ” (3) . لذا كان الدلفين هو الدلالة التي أراد الكاتب بها التعبير عن ماهية النص بأكمله وبالتالي فهو من وجهة نظرنا هو البطل في هذا النص الروائي المرواغ، وهو المحور الأساسي له، سواء جاء على شكل شفرة فاعلة داخل النص، أم جاء على شكل رمزي للأيدي الحانية العاشقة، أم على شكل شخصية عابثة لها وجودها الرمزي والمكثف للغاية على طول نسيج النص ومحاوره المختلفة . أو على شكل تفسير ذاتي عند كل شخصية، ترى دلالته الذاتية بما يحقق لها طموحاتها الخاصة.
ولا شك أن تكثيف محاورة كلمة الدلافين الرامزة لوقائع حسية، و مجازية من خلال طبيعتها الخاصة، واستخدامها داخل النص بهذه الطريقة المتكررة في مناطق كثيرة منه وامتداد تفاعلها مع اللغة في أكثر من موضع، وتفاعلها مع المواقف المتوترة والمتواترة والمستثارة، له أيضا من الدلالات الجنسية والحسية ما يضع جوانب الإحساس العاطفي المتقد، والمعقد، والمتشابك في هذا النص، موضع التساؤل حول ماهية العلاقة العاطفية التي ربطت بين الشخصيات الثلاثة، المرأة والرجلين . وهم محور النص برمته، فهذه الأيدي المتشابكة دوما، والمعطى لها مجازا تسمية الدلافين . هي كما تبدو، وكما أوضحنا الدلالة التي يرمى إليها الكاتب، لتجسيد نصه الروائي من خلال تفاعل الحدث الهلامي، المراوغ مع الشخصية الفاعلة في كل موقف، وفى كل لحظة تعامل من الشخصيات، من أجل الوصول بأي وسيلة إلى المتعة الحسية التي يمثلها الدلفين الصغير أو بمعنى أدق ( الأيدي ) العابثة لكل من آمنة وخالد وأحمد وهما الثلاثي الفاعل في النص، أو الشخصيات الممارسة لطبيعة المراوغة داخله . ولعل تجربة التفاعل مع الموضوع ( مادة الكتابة ) ونقصد بمادة الكتابة هنا هذه الشبكة المعقدة من العلامات التي تمتزج فيها مختلف الأحاسيس، والانفعالات، والمشاعر . وما تراكمه تجربة الكاتب حول الواقع والمتخيل وهو الذي رمز لها دوما على مدار النص بالدلافين، أو الأيدي التي تعبث دائما في المنطقة العاطفية بشطريها الحسية والوجدانية، وكما تحدث عنها في نهاية النص بأنها الأيدي التي استخدمت في كثير من الأمور على مر التاريخ وفى جميع التوجهات : ” الأيدي ذات اللغة، الأيدي ذات التاريخ والمواقف والأسرار والكمائن، الأيدي التي تعطى وتبذل، والتي تأخذ في الخفاء، الأيدي الحاكمة التي تدٍس ذريرة بيضاء سامة من الفضة في أظفار الخدم حتى يفتّوا الرمان للضحايا، والأيدي التي تدس السم حيث اخناتون يترنح، ويد ابن ميمون التي ألفت كتابا عن السموم، ويد القاضي الفاضل التي تناولت الكتاب كهدية وترجمته، الأيدي التي تخنق وتكمّم الأفواه، والتي حملت خنجرا فطعنت في الكبد والسّرة حتى خر الجنرال الفرنسى كليبر، ويد الحلبي ذاتها التي طعنت وقد أحرقت أثناء التحقيق قبيل أن ينفق في الخازوق …. الخ ” (4) .
وكما استخدم الكاتب الموروث المعرفي القديم في بلورة شفرة النص،والاحتفاء بنماذج تاريخية منها، استخدم أيضا ملامح أسطورية للاحتفاء بنفس الدلالة من خلال الحكاية التي حكتها آمنة عن أمها فاطمة بأنها سحرت لأبيها حتى أحبها ولم يطق فراقها، وهام وراءها في أماكن كثيرة ولم يعرف أحد عنه شيئا حتى الآن، وحكاية الإمبراطور الفرنسي العجوز شارلمان الذي هام حبا بفتاة ألمانية إلى حد إهمال مملكته، مما أقلق رجال البلاط حوله . وحين ماتت الفتاة، فاجآهم الإمبراطور بنقل جثمان الفتاة إلى غرفته معتزلا الحياة والناس والحكم، مما جعل كبير الأساقفة يرتاب في الأمر، فطلب أن يفتش حجرة الإمبراطور، وعند تفتيشه جسد الفتاة الميتة عثر تحت لسانها على خاتم ثمين ذي فص غريب، وما أن احتفظ كبير الأساقفة بهذا الخاتم حتى هام به الإمبراطور حبا، الأمر الذي أحرجه أمام رجال البلاط، فقرر أن يطوّح بهذا الخاتم المسحور في البحيرة، وفعلا ألقاه بكل قوته في وسط البحيرة، وسرعان ما تحول عشق الإمبراطور إلى البحيرة، فظل بقية عمره لا يفارقها . كان خالد يحكى هذه الحكاية الغريبة لآمنة وهما متجاورين في قاعة السينما بمدينة لندن وهما يمارسان الحب بواسطة دلافينيهما، بينما يشاهدان فيلم تايتانك، وفى هذه اللحظة كان خاتم آمنة ذو الفص الأزرق يشبك أصابعه داخل أصابعها السمراء النحيلة، وفكر خالد في أن يطلب منها أن تخلع خاتمها، ولكنه خاف أن تتكرر مأساة الإمبراطور شارلمان، ومن خلال مظاهر التخييل الذي لجأ إليها الكاتب في البنية السردية لهذه الواقعة . تنتقل فعلا لعبة الخاتم في هواجس خالد إلى حالته الآنية، وتلبسته شخصية الإمبراطور شارلمان عاشق الخاتم، وتزاحمت نفس الأفكار في خواطره من خلال خاتم آمنة ذي الفص الأزرق الذي عشقه خالد في هواجسه مسحورا، وتبدت نفس اللعبة عند خالد فكلما انتقل خاتم آمنة إلى شخص آخر أنتقل العشق ورائه، حتى ألقى الخاتم في مياه خليج العقبة فتسمر خالد أمام مياه الخليج يحدق في الماء، حتى يقرر أن يعوم صوب جبال سيناء، ويغيب إلى الأبد . لقد كانت الرؤية المأزومة والمرتبطة بأصابع آمنة هي التي حركت في عقل خالد نوازع الأسطورة وجعلت هذه الهواجس الغريبة تتداخل مع سطوة المعنى في تيمة غرائبية تخييلية اعتمدت على فكرة تداعى الخواطر بين ما حدث للإمبراطور شارلمان وعشقه للخاتم ذي الفص الثمين، وبين ما يمكن أن يحدث له عندما احتكت أصابعه أو دلفينه بدلفين آمنة الصغير .
الشاعرية وسلطة النص
ولعل الرواية بأبعادها التخييلية، والواقعية التي جاءت عليها، واعتمادها على شاعرية اللغة في سردها، باعتماد الشخصيات ذاتها، الشخصية الشاعرة المتوهجة الباحثة عن الحب، والشخصية الناقدة المتوازنة في ممارساتها، وشخصية المرأة العاشقة والمعشوقة، العائشة حقيقتها وسط هذا المناخ الصاخب الغرائبى الخاص، وسطوة المراوغة السردية داخل تجريبية النص، والمنسحبة على طبيعة الحدث الذي ليس له وجود بالمرة، والاستعاضة عنه سرديا بمراوغة الشخصيات وصخبها، والمواقف المتحلقة حول طبيعة الشخصية ذاتها، وشفرة الدلفين المفردة المركزية بغموض معناها الرمزي، وتشابك الواقعي والحلمي، وتداخل الأزمنة، وتفتيت طرائق السرد، كل هذا سمح لآلية السرد، ونسقه الخاص بنوع من المراوغة فى النسيج العام للنص حتى الانتقال عبر وعى الشخصية، وانعكاس الماضي على الآني الحاضر قد جعل الشخصية ترتد إلى ماضيها لتحديد بعض السمات والوقائع السابق حدوثها والمرتبطة بآنية الموقف المعيش، وهو ما سمح باستخدام صوت الراوي ليحيل سردية الموقف ومراوغته إلى تجربة لها خصوصيتها، خاصة حينما نأخذ حالة مثل حالة خالد اللحيانى في منزله فى بلدة حقل بتبوك وهو يصحح دفاتر التلاميذ بينما الخواء النفسي يسيطر على حالته، ويملئ عليه المكان والزمان، فيلجأ إلى الوهم تجاه عشقه للدلافين عله ينتشله من وهدة هذا الخواء : ” كأنما الدلفين القرنفلي لمح كآبتي خلف بحر وصحراء، فانطلق في عرض البحر، ناولني ذيله الناعم فأمسكت به وجذبني إلى اليابسة، حيث الهواء والمتعة وطعم الحياة، ثم حملني فوق ظهره الأملس، بدأ عندي طموح غريب وبحث سرّى عن أسرار وخبايا الغد، أين سيمضى بي الدلفين؟ كنت أفكّر، وأستعيد اللحظات الرائعة طوال الرحلات الماضية، كأنما على الدلفين أن يفرد جناحيه ويطير بي إلى الحياة والغرابة والدهشة، فأسأل نفسي هل ثمة حد للمتعة، كنت خائفا أن أبلغ هذا الحد، وأعود إلى نقطة البداية، حيث السأم والملل والضيق ” (5) . وأيضا حينما نتتبع شخصية أحمد الجساسى، وسابق انكسارها سواء أثناء فترة دراسته في الجامعة، أو انخراطه في أحدى الجماعات الإسلامية ليصبح قياديا فيها، ثم إبعاده عن الجماعة لضبطه وهو يسمع الموسيقى، أو وهو وسط أسرته، وعلاقته بوالده المأزوم الذي قتل شقيقه الصغير أثناء تناوله الغداء لأنه تجرأ ومد يده إلى الطعام قبل يد أباه، وشخصية أحمد الجساسى بطبيعتها الغامضة، وبتأثيرها الخاص على طبيعة النص باعتبارها الشخصية الثالثة الفاعلة والمكملة لأضلاع مثلث الشخصيات الذي يتكون منه هذا النص المراوغ، شخصية تم تجسيدها بحيث تتوافق مع طبيعة النص ذاته وآلية سطوته في كل مراحله، فهي شخصية مراوغة هي الأخرى، تحتل مساحة ضيقة منه إلا أنها مؤثرة تأثيرا كبيرة في بنيته السردية. وعلى الرغم من عمق المأساة التي كان يعيشها، وتحتويها هذه الشخصية إلا أن نزوعه الدائم إلى الفن والأدب قد أفقداه أدوارا هامة كان من الممكن الاضطلاع بها في مطلع حياته العملية، فقد كان يحب فيروز ويعشق الموسيقى، وهو إلى جانب ذلك يعشق النقد الحداثي منه، فهو ناقد حداثي مغرم بجاك دريدا، ورولان بارت وغيرهم من نقاد الحداثة، لذا فإن شخصيته دائما ما تكون متمردة على الأحداث وواعية ومدركة لكل كبيرة وصغيرة تحدث أمامها، ومؤولة لطبيعة الأشياء . نراه في بداية النص يحاول أن يضع صديقه خالد في أكثر من موضع تأزمي لمعرفته بطبيعة شخصية صديقه الحساسة، بأن يتعمد أن يجلس بجانب حبيبته آمنة، ويمسك يدها، وأن يأخذها إلى خارج قاعة الندوة التي كان يلقى فيها قصائده بأتيليه القاهرة . كان يفعل ذلك من قبيل العبث والمراوغة الذاتية، كما نكتشف أيضا في نهاية النص أن أحمد الجساسى متزوجا ولديه أولاد .
كما تكمن المراوغة التي تثيرها شاعرية اللغة أيضا داخل النص من خلال هذه العلاقة التي تربط بين الشخصيات الثلاثة المتحلقة حول توجه النص نفسه، نحو هذه العلاقة الأزلية التي تربط الرجل بالمرأة، علاقة الحب بكل أبعادها العاطفية والجسدية، والذي جسدها الكاتب بمفردات تتأرجح ما بين شعرية السياق وواقعية النسق . فهذه العلاقة على اختلاف أنواعها تجمع بين الحسية والرومانسية، وبين الرمز وتداخلات الواقع، وبين سطوة العشق وقهره لمواطن كثيرة في قلب العاشق والمعشوق . وبين هذا الصراع الداخلي الذي يدور داخل النفس من وهم وشكوك وظنون، وبين الممارسات العفوية والتلقائية المنبعثة من المرأة بطريقة قد تبدو في بعض الأحيان مغالى فيها، خاصة إذا كانت المرأة موزعة بين رجلين ترتبط بهما معا بعلاقة حميمية، ويرمز الكاتب لهذه العلاقة بالارتباط الدائم المستمر بالدلفين وهو الاسم المجازى الذي منحه للأيدي المتشابكة منذ بداية النص، والمتعانقة حسيا وجنسيا عبر خط رئيسي في نسيج السرد بحيث أصبحت ظاهرة لها خصوصيتها داخل النص يعبر بها الكاتب عن حسية الموقف، واستخدامها مجازيا وكأنها أداة من أدوات الفعل الجنسي المباشر . لذا كان الاتكاء عليها، والمغالاة في استخدامها في العديد من المواقف منذ عتبة النص الأولى، بدءا من العنوان ذاته والذي جاء محققا للشفرة المستخدمة، خاصة في تفسير الموقف العام للحدث الهلامي الذي جاء دفقة واحدة في بداية النص، ثم تتابع الأحداث الجانبية، واستخدامات لحكايات وأساطير ووقائع، هو ما جعل النص ذاته يسير على نمط واحد، ويتحلق حول كلمة واحدة، ورؤية محددة، وهى كلمة الدلفين وما يحققه الرمز، والمعنى النابع من هذه الكلمة على مستوى الفعل والتجربة العاطفية المستثارة حوله . وعلى الرغم من أيروسية الدلالة التي وظفها الكاتب داخل النص في مواضع عديدة، إلا أن الاحتفاء بشفرة الأيدي، والإسراف في استخدامها بهذه الطريقة قد منح النص غرائبية في مضمونه العام، كما أوجد ثمة طبيعة خاصة لعاطفة الحب والجنس المتولدة فيه في آن واحد . وكما قيل حول تلازم الحب والجنس معا في هذا الخصوص : ” فليس الحب مجرد وظيفة بيولوجية تتكفل بتفسيره الغريزة الجنسية، بل هي ظاهرة إنسانية معقدة تتداخل فيها اعتبارات القيمة، والحاجة إلى التغلب على الانعزال النفسي، والرغبة في التلاقي مع الآخر، والميل إلى الإتحاد به مع الإبقاء في الوقت نفسه على الثنائية البيولوجية . وربما كان الخطأ الأكبر الذي يقع فيه أصحاب اللغة البيولوجية هو أنهم يخلطون بين ” الحب ” و” الجنس ” في حين أن التجربة الإنسانية تشهد في كثير من حالاتها بأنه قد يكون هناك ” حب ” بدون ” جنس “، كما قد يكون هناك ” جنس ” بدون ” حب ” (7) . وهذا هو ما عبرت عنه الرواية في رؤيتها الأساسية . فخالد قد تولدت لديه الرغبة الجنسية منذ أن رأى آمنة، فانجذب إليها بفعل هذه الرغبة، وبمسايرة رغبته العاطفية تولدت معها أيضا نزعة الشك والوهم تجاه ما رآه في طبيعتها البسيطة الخاصة المجبولة على الالتقاء بالناس وتعاملها معهم من خلال بعد أنثوي فطرى، لذا نجده وقد دخل من خلال واقعة محددة جاءت في بداية النص في حالة شبه مرضية، حين ساورته الظنون بأن هناك علاقة ما بين آمنة وصديقة أحمد، وأنها تخونه مع هذا الصديق لدرجة أن هذه الوساوس والهواجس سببت له حساسية طالت صديقة من ناحية، كما طالت أيضا تجربته العاطفية المتقدة من ناحية أخرى . لذا فقد كانت تجربته العاطفية الحسية بشفرتها الخاصة المتولدة من المعنى الدلالي للدلفين هي محور تفكيره، ومحور بحثه الدائم عن تأصيل العلاقة بينه وبين آمنة عن طريق دلالة هي وإن كانت لها سطوة خاصة لديه إلا إنه يعبر عنها بهذا الدلفين الشبقي الذي يراوده في كل وقت وحين : “ففي لندن كانت هواجسه نشطه إلى أبعد الحدود، وكان نشاط المدينة الجنسي يلاحقه أينما ذهب، في الفندق، في شارع إدجوار رواد، قرب مطعم بيتزاهت، بجوار كابينة الهاتف، وكان مجسم الدلفين الفضي الصغير الذي اشتراه خصيصا لآمنة هو محور تفكيره الجنسي حتى حين أخبرها به : ” كانت آمنة تجاوره، وتهمس : وين غطست؟ كاد أن يقول لها، لكنه كان محاصرا بحارسين يمشيان بجواره، فقال : غطست كما يغطس أي دلفين في محيطات العالم! ضحكت، وأخبرها همسا في أذنها بالدلفين الفضي الراقد في بحر جيبه، حتى ضحكت وهى تصرخ مبتهجة : معقول؟.
تأخر خطوتين، وتآمرت هي أيضا معه، كان أخرج الدلفين الفضي من جيبه بحذر شديد، ودسّه في كفها الباردة، في غفلة صاحبيه اللذين كانا يناقشان فساد السلطات في العالم العربي، ضحكت وهى تخفى الدلفين القلادة في محيط حقيبتها اليدوية السماوية ” (8) .
لقد كانت الشفرة الحياتية في المواقف المجردة، تكشف عن نفسها عند خالد اللحيانى من خلال الفعل والموقف، وهى الشفرة التي لجأ إليها ليحقق من خلالها عاطفته المستلبة، وخوائه النفسي، لذا فقد كان الفعل الحياتي المؤثر في علاقته بآمنة يستمد طاقته من هذه الشفرة التي اختارها، ودفع بتمثالها الفضي الصغير في يدها، في غفلة من صاحبيه، ليكون ذلك تعبيرا حيا وصادقا عن عاطفته، فهو يريد أن يحقق لها جزء من حلمه باستخدام الشفرة المفضلة، والرمز المعبر عن هوية العاطفة التي أرادها، وفى تأصيله لهذا المعنى الذي احتواه، كان المتخيل عنده في صخب دائم، ثمة جرأة تنتابه، وثمة عوامل داخلية وخارجية يتم الإحاطة بها، فمنذ أن رأى آمنة لأول مرة، حين عرضت عليه مساعدتها الفورية حينما ذهب إلى الفندق ليقضى ليلته فيه، وكأن هذا الموقف قد أيقظ عاطفته المختبئة وراء آكام النفس، وأجج فيها تيارا لم يقدر على إيقافه أو التحكم فيه، وبدأ الخواء الذي كان يسيطر عليه يتلاشى، وتحل بآمنة ونظرتها الساحرة محله، بكل عنفوانها وسطوتها : ” كانت اللحظة الأولى لدخوله في غرفة التنسيق للسؤال عن غرفته، حيث ثلاث نساء يجلسن على ثلاثة مكاتب متفرقة، رحبت به الكبرى بابتسامة، وأمرت الصغرى أن تهتم بموضوع الغرفة، رفعت الصغرى ” آمنة المشيري ” عينيها الساحرتين نحوه لأول مرة، وشهرت سيوف جفنيها، إذ قالت بخجل وسخاء: نخدمه بعيوننا ! ها هنا ذاب قلبه الهّش، وانساق خلف سحرها الغامض ” (9) .
وشخصية المرأة في الرواية تبدو وكأنها شخصية ملتبسة، فثمة علاقة ما خفية تثب إلى خاطرها حينما كان يدرك أحمد الجساسى أن يدها في يد خالد، وثمة جرأة تمنحها لنفسها للتعبير عن حقيقتها أمام هذين الرجلين . كان عشقها لخالد هو الذي يستحوذ على كل خلجاتها لكنها كانت أيضا لا تخفى إعجابها بأحمد ، لذا نجد أن ثمة التباسا وتأرجحا في عواطفها نحو الرجلين . فهي تستحوذ على الاثنين معا في رحلتها العاطفية : ” كانت آمنة تعيش مشاعر متضاربة، تحب خالد وصوته ووسامته وعشقه ودلافينه، كما تحب سمرة أحمد ووداعته ومنطقه وظرفه، فلا تعرف كيف تختار، ساعات النهار الأخير مع خالد، أم يومين رائعين مع أحمد ؟ خالد الذي يمتلئ عشقا ويفرد لها حضنه ويغرى دلافينها ببحيرته الدافئة، أم أحمد الذي يتحدث بجرأة وبساطة عن الجنس، ويسألها عن حياتها الشخصية بصفاقة أحيانا، لكنه مع كل هذا المنطق والعقلانية التي يتمتع بها قد يعود فجأة إلى نقطة الصفر، إذ يتراءى له وجه زوجته وطفليه ” (10) . ربما هي قد ورثت عن أمها أشياء لم تصرح بها إلا لخالد، ولكن أنوثتها كانت تتحرك في كل الاتجاهات، حكت عن أمها وأباها الذي لاحقها لسنوات حتى ظفر بها زوجة على زوجته الأولى أم أولاده، وحكت عن عملها بالصحافة وعن الرجال الذين أعجبوا بها : ” أمها جاءت من مدينة بهلا، امرأة جميلة إلى حد أن لاحقها أبوها لسنوات، تاركا تجارته وأمواله مقتنصا مرورها من أحد شوارع مسقط حيث تأتى لزيارة أقاربها، كانت تمر كل صباح في الساعة ذاتها، من أمام متجره هناك، يقول أولاده الكبار أنها صنعت له سحرا أسود، فهجر بيته وأولاده وزوجته الأولى، صار يلهج باسمها : فاطمة !. (11) .
وفى النهاية ومع طقوس المغادرة تتبدى المتعة المجنونة، واصطدام الرغبات، والسفر المستحيل، وتتبدى تجربة العشق مع تضاريس نفسية مستمدة ومستلهمة من لقطات عديدة جسدها الكاتب في رواية ” نزهة الدلفين ” في تركيبة سردية معقدة، وفى مغامرة نصية، وذاتية مع الشخصيات الصاخبة، المتنقلة مع الزمان والمكان وعبر حدود الواقع، وبصيغة نسق تعدد الأصوات تعتمد في رويها على المونولوج الداخلي والفلاش باك، والنسق المعرفي، والموروث السلفي، والأسطوري : ” على مقعد خشبي بارد جلسوا أمام النيل، كان الصمت يعّم المكان، وثمة إحساس غائر بالفقد، كما شجر السنط فوقهم، تتساقط الأوراق تباعا، وتنساق مذعنة أمام الريح، هكذا هم يتساقطون واحدا وحدا، في الصباح الباكر يغادر أحمد الجساسى إلى الإسكندرية يومين، قبل أن يتابع إلى الدوحة، ثم كورقة سنط جافة تطير بعده آمنة المشيري إلى الشارقة، وأخير بعد غد يكون خالد اللحياني في السماء ذاهبا إلى الرياض فتبوك، ومنها إلى بلدة حقل الساحلية ” (12) .
الهوامش
01 ” نزهة الدلفين “، رواية، دار الريس للكتب والنشر، بيروت، 2006 ص 9
02 الرواية ص 15
03 الرواية ص 18
04 الرواية ص 7
05 الرواية ص 139
06 الرواية ص 29
07 مشكلة الحب ، د . زكريا إبراهيم ، مكتبة مصر ، القاهرة ، 1970 ص 30
08 الرواية ص 39
09 الرواية ص 27
10 الرواية ص 68
11 الرواية ص 21
12 الرواية ص 148
0 تعليق