يوسف المحيميد يغرق في بحر من الدلافين

28 مايو، 2012 | نزهة الدلفين | 0 تعليقات

بيروت من جورج جحا(رويترز):
صدرت مؤخراً عن دار رياض الريس للنشر رواية (نزهة الدلفين) للروائي يوسف المحيميد، لتأتي مختلفة نوعاً ما عن الأجواء والأمكنة لرواياته السابقة مثل فخاخ الرائحة والقارورة وغيرهما.
رواية “نزهة الدلفين” للكاتب السعودي يوسف المحيميد تعكس في ما تعكسه نَفَسا شعريا وقدرة على الوصف التفصيلي

مُمتعة أحيانا وتكاد تكون سينمائية من حيث الحركة والتفاصيل .. لكنها تجعل القارىء يغرق في بحر من الدلافين التي أرادها الكاتب رموزا طيبة تنقذ المشرفين على الغرق. ومن خصائص هذه الرواية انها في موضوعها الذي ليس كبيرا مُتشعبا تتشكل من إعادات لحالات ومشاعر وأحداث كأنها لازمة تتكرر في غير تغير يذكر.. وانها بينما تعكس رومانتيكية نفاذة وموحية حينا ترفق كل ذلك باتجاه مُغرق في الواقعية يُركز على ما قد يكون نقيضا للحالات الاولى بل تشويها لها دون أي مُبرر فني. الرواية وهي تاسع كتب المحيميد منذ سنة 1989 صدرت عن دار “رياض الريس للكتب والنشر” في 157 صفحة متوسطة القطع. جاء في مقدمة الرواية نقلا عن كتاب “عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات” للامام العالم زكريا القزويني “والدلفين حيوان مبارك اذا رآه أصحاب المراكب استبشروا وذلك انه اذا رأى غريقا في البحر ساقه نحو الساحل وربما دخل تحته وحمله وربما جعل ذنبه في يده ليمشي به الى الساحل وقيل له جناحان طويلان فاذا رأى المركب تسير بقلوعها رفع جناحيه تشبيها بالمركب وينادي.. واذا رأى الغريق قصده.”
إلا ان هذا الحيوان البحري النبيل المُبهج والخفيف الظل سرعان ما يتحول عند المحيميد الى رمز أو اكثر من رمز وأحد أبرزها الرمز الجنسي. المشكلة ليست في هذا التحول وقد قدمه المحيميد بصيغ أدبية حسنة انما في تكرار كلمات الدلفين مفردا ومثنى وجمعا وباستمرار يخلق في النفس شعورا بالضيق وبانطباق شيء على الصدر يذكر برهاب الأماكن المغلقة.
يدور هذا العمل القصصي في معظمه حول ثلاثة أشخاص من بلدان خليجية هم شابان وفتاة يلتقون في القاهرة. تدور أحداث الرواية في أماكن عديدة ينقلنا اليها السفر الفعلي أو تداعيات تستحضر أسفارا فعلية. السعودية والامارات ولبنان ومصر وبريطانيا وبشكل خاص منطقة “ادجوار رود” اللندنية التي توصف بأنها منطقة “عربية” في لندن.
في الخارج حيث التقى الثلاثة تقوم بين الرجلين والفتاة علاقة غير عادية تبدو من ناحية حبا ومن أخرى صداقة ومن ثالثة شهوة جنسية. محور معظم المشاعر والانفعالات هو خالد وهو شاعر من السعودية. انه العاشق والشك يتآكله في ما اذا كانت الفتاة المعشوقة تقيم علاقة ما غير ما يبدو من “ابوية” علاقتها مع صديقه احمد المثقف والناقد. ومن هنا البداية والنهاية وما بينهما من نقاط تتشابه. ويستمر ذلك الى النهاية حيث يبدو لنا ان ما تتكشف عنه الامور لا يشكل دعامة روائية لنص استطال بل بدت اقرب الى مشكلات مراهقة فيها الكثير من الحب والبراءة والخجل والشهوة والغيرة والمرح وأمور أخرى. وفي كل ذلك تنزلق الدلافين في مناسبة أو دون مناسبة. وما نستشهد به هو غيض من فيض.
من بداية الرواية تظهر قدرة المحيميد على الوصف الأنف ذكره. يقول “كانوا ثلاثة.. امرأة ورجلين. يمشي الرجل الطويل أمامهما مُتغاضيا عما يحدث بينما الرجل القصير يشبك يده بيد المرأة ويمشيان خلفه. حين يتوقف الطويل ملتفتا مُطمئنا أو سائلا تفترق اليدان سريعا باتفاق مضمر. تهربان فزعتين كما لو كانت طيورا يحفها الحذر. تهربان فزعتين مثل دلفينين يركضان بانسياب في بهاء الماء.
“في الطريق الى الحسين حيث لا تنام القاهرة كانوا يضحكون بشغب كما أطفال.. يغنون ويركبون التاكسي للمرة الاولى جميعا في الخلف. في المرات السابقة كان الرجل الطويل كما لو كان أبا صارما ومدبرا يركب بجوار السائق فتركب المرأة والرجل القصير في المقعد الخلفي. لم تكن المرأة الثلاثينية اذ تركب تزحف الى الشباك القصي بل تبقى في الوسط… بينما كفها الساخنة تتسلل في مياه الليل كدلفين أنثى تبحث عن ذكرها حتى تتعانق أصابعهما المتلهفة في عناق أبدي.”
لكن الرجل الطويل فاجأهما هذه المرة وركب في القسم الخلفي فاضطر خالد الى الركوب قرب السائق. وبدأت التصورات أو الأوهام ..فعينه اليسرى “او حواسه تشعر ان دلفينته الصغيرة السمراء تذوب حرارتها في كف ضخمة للرجل الذي يشبه الاب…” والرجلان صديقان يحب الواحد منهما الاخر كثيرا. أفكار خالد تدور به.. هل اللمسات المتصورة أبوية أم غير أبوية؟. “هل مس ظاهر الكف مثلا يعد خيانة؟.. كان شيئا عابرا ومألوفا ان تفعل ذلك لكن العاشق خالد يراها خيانة بشكل ما.”
وحين خرجوا لاحقا من الفندق باتجاه النيل كان الطويل يسير امامهم وقد “تعانقت” يداهما خلفه “يسيران بدلفينين يلهوان بمودة يتعانقان في فضاء الشارع وفي عناقهما ذاك كان ظهر دلفينه يرتطم بجانب مؤخرتها… كانت يده كالدلفين الاحدب الخجول يفضل المياه الضحلة… تخلص الدلفين ذو البطن القرنفلي الفاتح من مياه يدها.”
لعبة الشك تسبب له الأسى فيتمزق بين اثنين يحبهما. كان للفتاة خطيب طيب يعني لها الكثير. وكانت تمازحهما وتقول انها تحبهما معا. وبعد عدة فصول من الرواية نعود مع خالد الى اللازمة المألوفة. يجلس خالد مع هواجسه ويغرق في بحر من الدلافين. كان يسأل باكيا عن “تماس جسديكما في المقعد الخلفي وضحكاتكما معا… واستلامه لدلفينك الصغير او دلفيني القرنفلي” ويأتي جواب على صفحة تالية “وقالت أعدك ان أحفظ دلفيني أبدا عن شباك الصيادين ورماح البحارة” ويرد “رغما عني أصاب بالجنون وأنا أرى أحدهم يعانق دلفينك بشوق آه يا دلفيني الصغير.”
ومن الأجواء الرومانتيكية المرهفة نجده أحيانا ينتقل الى واقعية مغرقة في تفاصيل بعيدة جدا عن هذه الأجواء تصل الى حد أن يجدها القاريء مقززة.
وللأيدي عنده معان ورموز “الأيدي التي حملت البندقية وصوبت والأيدي التي حملت الكاميرا وصوبت أيضا الأيدي التي حملت قلما وكتبت قصيدة والأخرى التي حملت قلما ايضا وصادقت على وثيقة اعدام الأيدي التي حزت بالمشرط زائدة دودية لمريض.. والتي حزت عنق ضحية ببغداد… الأيدي التي تصافح وتخنق وتحضن وتصفع وتصفح وتبوح وتقبض وتكيد… الأيدي التي ترسل ذبذباتها… قبل ان تتعانق في زحام سياح عرب واجانب… الايدي التي ضاجعت بعضها عارية…” وغيرها وغيرها.
وبعد تناوب الثلاثة على الحديث عن انفسهم ووجهات نظرهم ياتي يوم السفر تباعا وعودة كل منهم الى بلده والى عائلته. واحدة مخطوبة وواحد متزوج وله اولاد وخالد الاعزب الذي يودع حبه كتجربة فيها من الرومانسية بل من المراهقة قدر كبير.

جريدة اليوم- العدد 11901 السنة الأربعون- السبت 1426-12-14هـ الموافق 2006-01-14م

رجل تتعقبه الغربان: ملخص الرواية

رجل تتعقبه الغربان: ملخص الرواية

يظهر خيط السرد بطريقة جديدة، لا تبدأ بالحاضر، وحظر التجول في مدينة الرياض، أو أربعينات القرن الماضي، ورصد المدينة المحصَّنة بأسوارها الطينية فحسب، وإنما القفز بالزمن في مغامرة مختلفة نحو المستقبل، من خلال منظار روسي...

أكمل القراءة

تلك اليد المحتالة – مختارات

تلك اليد المحتالة – مختارات

لبس ما ظنه الرجل الجالس أمام النافذة حمامة بيضاء بأربعة مناقير وعُرف… كان قفازًا منفوخًا ليد هاربة من وباء، دفعها الهواء بخفَّة. هكذا اكتشف الرجل الوحيد في عزلته. طائرات كلما انفتح باب السوبرماركت الكهربائي عن...

أكمل القراءة

في مديح القاهرة

في مديح القاهرة

ذاكرة الدهشة الأولىقبل ثلاثين عاما تقريبًا، تحديدًا في يناير من العام ١٩٩٢ زرت القاهرة لأول مرة في حياتي وأنا في منتصف العشرينات. جئت لوحدي لأكتشف معرض القاهرة الدولي للكتاب في مقره القديم بشارع صلاح سالم. لا أعرف...

أكمل القراءة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *