رواية فخاخ الرائحة ليوسف المحيميد 1-2

مايو 28, 2012 | فخاخ الرائحة | 0 تعليقات

أحمد الواصل
لفت انتباهي قبل سنتين نشر ملحق آفاق – الحياة، للفصل الخامس: جسد ناضج كثمرة(*). تحمست لأن أقرأ متبقاها دون أن أدرك حسب تمويه شرح شكل النص إن كان قصة أو رواية، لكن معرفتي بأنها رواية من إحدى مقابلات يوسف المحيميد حمسني لها، أثبت فرحي الكبير به أن يصل إلى شكل الرواية بعد تمضية وقت بين القص عبر مجموعتيه: “ظهيرة لا مشاة لها – 1989″، “رجفة أثوابهم البيض – 1993″،

ثم كتاب نصوص صدر عن طريق دار الجديد “لا بد أن أحداً حرك الكراسة – 1996”. حيث عرف تحت مسمى شاعر من السعودية ما أزعجني!.
.. الآن، من خلال نشر هذه الرواية – نشرت له أخرى: “لغط موتى – 2002” – يثبت ليوسف الروائي فيه الذي قاتل عبر مدار تحولي آن له أن يبين.
.. لكل مبدع في مجال الكتابة أن يتمرن بين التحضير أو التكريس في إطاره نحو المجموعة الشعرية من القصيدة ونحو الرواية من القص حيثما يظل المبدع في الحقلين – مع الرسم – رهن فردانيته، أو له المشاركة في الفنون الجماعية كإحدى مكونات المجتمع المتحضر:
1- الغناء: الشاعر – كاتباً غنائياً، الموسيقى – ملحنا والمغني.
2- المسرح: النص، الممثل والمخرج.
3- السينما: الكاميرا، السيناريو، الممثل، المخرج.
.. اعتمدت الرواية أحيائيا على حاسة الشم – دون تجاهل مسماها: فخاخ الرائحة – ذلك ما شكل إطاراً جمالياً يتخطى المكتوب إنما بينما المعاش والمتخيل يتنامى ويتفاعل مع القارئ/القارئة سأعود إليه لاحقاً.
.. ذهبت الرواية لتنتقي أبطالها الثلاثة بين مطلقي البطولة: طراد – أبو لوزة وحسن – عم توفيق إلى ثانوي البطولة: اللقيط – ناصر.
.. تحتوي الرواية على خمسة عشر فصلاً – أولها غير معنون – ستة فصول لطراد: “الأول، سر الغناء الحزين، عراك طويل، عراك مع الحرس، سجناء الرمال وبطولة الذئب” بينما خمسة لتوفيق: “رحلة العذاب الأبدي، رجولة مسلوبة، شهوة القمر – أجمل عنوانش -، رحلة الأحلام الشائكة واكتفاء” والأربعة متفرقة لناصر: “وثائق رسمية، جسد ناضج كثمرة، طفولة مستباحة والخطيئة والعقاب”.
.. تدين الرواية أخلاق المجتمع عبر شخصياتها المهمشة: طراد البدوي قاطع الطريق سابقاً والحارس لاحقاً ثم قهوجياً، توفيق خادم البيوت، حارس العمارة والقهوجي في دائرة حكومية، ناصر اللقيط الذي كان إسقاطا حاداً على موضوعيهما كمرجعتين متصادمتين في الطبقة السطحية للمجتمع سواء في شقيه الوسطى والغربية عبر أرستقراطيته أو بورجوازيته.
.. مفاتيح الرواية هي الروائح التي تمكن القبض على مستويات كثيرة من النفسية والاجتماعية عبر الطبقية، العرقية والأخلاقية. حيث تشرّع أبواباً كاملة لتصادم ثنائيات معتلة بذواتها: آسيا وأفريقيا، القبيلة ، والصحراء والمدينة، النجدي والحجازي، بين أن يكون تفاعلها وتلاطمها شرط البيئة الاجتماعية أو الملعب الاجتماعي الذي تجد نفسها تتخذ أدوارها فيه إذ ربما تتغير الشخصيات والأدوار ثابتة..
.. تكشف الرواية زمنها عبر المتخيل كاسترجاع لماض لا المعاش كمعطى من بطليها بل من افتراض حكاية التقاء أبوي ناصر المفترضين في الوثائق الرسمية: عبدالإله حسن عبدالله، صالحة عبدالرحمن محمد. في منتصف السبعينات حيث يصف الراوي: “لم يكن لديه سوى سيارته التويوتا – كريسيدا، موديل 76م../ص: 49” أو حالة التذكر لدى توفيق لكن الرواية تنتهي بعمر ناصر العشرين حيث تنتهي الرواية أي بتوقف زمنها أي منتصف التسعينات، ربما زمن كتابة يوسف المحيميد لروايته، حين التقى طراد بناصر واستل الأخير ملفه منه وغاب في الزحام../ص: 118.
.. أي أن الرواية تغطي عقدين متناصفين بين الستينات والسبعينات غير أن ظلال الثمانينات عبر الصحوة الدينية – الإسلاموية في عقد الثمانينات الميلادية نبَر فجأة في نقاش اسم عبدرب النبي../ص: 94.يدفعها إلى منتصف التسعينات بينما ظلت تنبني عبر ذاكرتي طراد الصحراوية في نجد وتوفيق الريفية في السودان زمن الستينات.
.. تفعيلاً لدائرة التضاد الصائرة بين المرجعية الصحراوية لطراد كقاطع طريق مع نهار الذي نازله وحين لم يقويا بعضهما تراهنا على أن يكونا رفيقيء نهب الطريق/ص: 44و 45حتى أسلماهما فريستين للذئاب الحجاج العابري صحراء غنائمهما وتهويمهما../ص: 86، والمرجعية الريفية في أفريقيا التي انجلب منها حسن أو فيما بعد توفيق هو ومن سميوا بعنبر وجوهر من قبل الرجل السمين أبو يحيى/ص: 64.حتى وصلوا إلى طرق من عملهما في البيوت إلى مآلهما كمراسلين في الوزارة التي توسط فيها أحد موظفيها يدعى بدر لطراد لئلا يفصل حيث لا يستطيع المدير رفض أي طلب له لأن أباه من يمول الوزارة عبر شركته بالأدوات والمعدات المكتبية!.
.. أما وقوع ملف ناصر في صالة السفر بين يدي طراد عن طريق أحد المنتظرين في الصالة ظاناً إياه خاصة طراد لا ناصر الذي قام عنه لحظتها/ص: 18.ما جعل حكايته مستعادة عبر وثائقه الرسمية ودفتر مذكراته من دار الحضانة الاجتماعية في حي غميته إلى متبنيته / ص: 100، 101، 102و103.
.. يعاني السلبَ المشترك أبطالُ الرواية إذ يحمل هذا السلب مستويين هما المباشر- العضوي والانضوائي المعنوي:
.. عبر نهش الذئب لأذن طراد وإهانته بعمل لا يشرّف وجه أو دم القبيلة، وتخميش قطة لعين ناصر الرضيع إنها مستويات إفقاد تدان بها الأخلاق حين تتشظى عائلة طراد بين أخويه سيف الذي سرقته ابنة الجوالين ذباحة بعد أن نام على مخدة من صنعهم/ص 43ومصير أخيه سياف الذي حمل أباه صوب الجبال للذئاب والسباع/ص: 45وأمه خزنة التي جنت وفقدت صوابها: “تخزن أسرار البر والقبائل، وتبكي ابنها الذي سرقته الجنية ونصبته ملكاً للجن، وزوجها الذي تآمر ابنها عليه ووضعه زاداً لسباع البر، وصغيرها الذي لا يكف عن مهاجمة القوافل../ص:46” أو مصير أم وأب توفيق: “تهرب في الغابات وسيدها الحاج أحمد أبا بكر /ص: 92”.
.. الموقف من المدينة سواء الرياض في حالة طراد وتوفيق معاً أو الأخير في المدينة المنورة – يثرب سابقاً يحمل وجهاً من الجحيم/ص: 42كما في حالة طراد وهو يردد ذلك حين يصفها متكررة ومتشابهة ويرصف معادلاتها/ص: 33.بينما يؤكد ابن الريف السابق على تغيير المناخ/ص:27، ويصفها توفيق: “ولنضئ ليل الرياض، النائمة كعجوز بدينة، بالحكايات والحزن الطويل/ص:110″، بل إن ضحيتها طراد الذي يؤكد جحيميتها يهوى وقت طلوع نور الفجر لأنه: “أحلى الأوقات، المدينة تكون مثل وجه شابة تطرد النعاس عن عينيها/ص: 119” لينهي الرواية ببعض تسامح لم تتحل به المدينة معه بل ربما تعلّمه من توفيق!.
(*) سأشير لأرقام الصفحات منها “فخاخ الذاكرة/رواية”، يوسف المحيميد، شركة رياض الريس للكتب والنشر 2003.
جريدة الرياض- عدد12820 في31 يوليو2003م.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *