رويترز:جورج جحا
يرسم يوسف المحيميد في روايته الاخيرة “فخاخ الرائحة” عالما من الظلم والظلام يجعل الانسان يفضل جهنم عليه ليعود فيكتشف ان هذا العالم هو جهنم وعليه تقبله باستسلام وبتعزية تتمثل في كلمة عطف من صديق معذب. واذ كانت جهنم طراد بطل رواية المحيميد تتمثل في الناس الذين يضطهدونه ويزدرونه اي في الاخرين وفق تعبير جان بول سارتر فعالم جهنم هذا عالم ضيق مظلم حافل بالسادية والمادية
يعبق الجنس وتملاه المراة دون ان تظهر فيه لكنها تشكل سرا مصدرا من اهم مصادر تحركه.
وطراد عند المحيميد يمثل مشكلة البدوي وسعيه الى التأقلم مع حياة مدينة مثل مدينة الرياض السعودية ونقمته على نمط حياة مذل لانسان تعود الانطلاق كذئاب الصحراء.. وبدا ان الكاتب رسم شخصية بطله مستعيرا ملامح صعاليك العرب الثائرين المتمردين وشكل خاص الشنفرى في دعسه على غطش وبطش وصورته التي تشبه الرجل الذئب احيانا. انه صراع من اجل البقاء في تلك الارض القاسية الرهيبة. رواية المحيميد التي حملت عنوانا هو “فخاخ الرائحة” صدرت في 119 صفحة عن دار “رياض الريس للكتب والنشر.
عند المحيميد قدرة على السرد بانسياب انه يعبر بلغة حية متحركة واخاذة احيانا عن ماساة البدوي الذي يعمل في المدينة ويسعى الى لقمة العيش دون ان ينسى مفهومه للكرامة ويصارع التدجين في عالم لا يقوم الا على كثير من التدجين.
انه لا يستطيع ان ينسى كونه “ابن قبيلة” الذل الذي شعر به بسبب اذنه المقطوعة التي يسعى دائما الى تغطيتها ومعاملة الموظفين له في المكتب الذي يعمل فيه حاجبا او مراسلا وفق تعبير الكاتب جعلاه يهرب من عمله دون ان يعرف وجهته الجديدة قائلا لنفسه انه سيذهب الى جهنم.
يسال الموظف المسؤول عن قطع التذاكر سؤالا يظهر منه جهله فيجيبه الموظف بلطف وبخاطبه قائلا يا عم كاد يبكي لهذا اللطف وهو في النهاية غير شخصي بل طريقة تخاطب. كلمة عاطفية واحدة تكاد تغير كيانه. يجلس في محطة للسفر مع ركاب متعددي الاتجاهات في انتظار طويل. وهنا تمر في ذهنه ايام حياته الماضية وقصص الالام التي لقيها عدد ممن عرفهم مما جعله في حاحة الى سماع صوت صديقه الوحيد توفيق الاشد عذابا منه. هذا الصوت جعله يعود الى حياته السابقة عند سماع صوت توفيق في الهاتف. الناس جهنم والناس قد يكونون دواء لحروق جهنم.
في المكتب يسخرون من اذنه المقطوعة ويلقبونه بفان جوخ. يروون له ان فان جوخ قطع اذنه ليقدمها هدية للتي احبها. يسال نفسه لمن كان سيقدم هو اذنه وليس له احد. ثم يعود ليقول ثائرا ان هذا “الفان جوخ” مجنون غبي فليس هناك من امراة تستحق ان نقطع اذنا من اجلها.
تعود الذاكرة به الى الماضي ايام كان يارقا وقاطع طريق من اجل لقمة العيش. الا انه لم يكن يقتل احدا. تذكر كيف كان في الصحراء مع رفيقه نهار وحاولا سرقة جملين من قافلة فقبض عليهما. رفض الامير قائد القافلة المتوجهة الى الحج قتلهما لانهما ادنى اهمية من ذلك. وبعد ان ضربا بشدة امر الامير بتقييدهما ودفنهما في الرمال حتى عنقيهما.
الذئاب التهمت وجه رفيقه فمات ونهش ذئب اذنه لكن الحياة كتبت له.
واستمر يتساءل باستغراب كيف يفعل بهما ذلك اناس متوجهون الى الحج. يتذكر من جديد زميله وصديقه العم توفيق الذي اختطفه تجار الرقيق صبيا صغيرا من قريته في السودان وباعوه في الخليج لاناس.
في فصل عنوانه “رحلة الالام والعذاب” يروي توفيق قصته وكيف هرب مع اخرين نساء واولادا من قريته التي احرقها المهاجمون وقتلوا العديد من اهلها وسار هؤلاء المساكين والجوع ياكلهم الى ان شموا رائحة شواء اقتربوا من المكان ليكتشفوا ان الرائحة خدعة اوصلتهم الى ايدي النخاسين.
في الفصل وصف دقيق لاعمال تهريب الرقيق وطرقه وسبل التفلت من مراقبة رجال الامن. وفي الرواية استعمال لكثير من الكلمات المحلية جدا. وتمر امام عينيه قصة في فصل عنوانه وثائق رسمية ماساة الجنين غير الشرعي اي ابن الزنا الذي فقد احدى عينيه بعد ان القي به امام احد المساجد. يرق له قلبه فيقول في تعبير رمزي مجازي “انت سرقوا عينك وانا قطعوا اذني” وكانه يتحدث هنا عن عالم يقول لك لا تنظر ولا تسمع. وهل يعود في عالم من هذا النوع مجال للسان سواء اقطع فعلا ام مجازا.
يتحدث الكاتب عن ضحايا العقلية القبلية المراة والرجل ..والمراة في شكل شبه دائم. تتكرر القصص المفجعة التي تمثل الخروج على تقاليد القبيلة والنتيجة ضحايا .. رجالا ونساء واجنة واطفالا. ماساة توفيق الذي كان اسمه حسن فاعطي اسما جديدا اكثر تعقيدا والما من قصة طراد. توفيق فقد اهله وبلده واسمه ورجولته وبعد سنوات من العمل الشاق لم يعد لمخدومه من حاجة به اليه. انه عالم المساكين. وهل في جهنم غير ذلك بالنسبة اليهم.
طراد وتوفيق يتناوبان على سرد قصتيهما وقصص اخرين بتداخل حينا وانفصال احيانا وبتداخل مقبول في الازمنة. في الرواية حيث عن الطفل المغتصب وعن الخرافة والحقيقة وسيطرة الخرافة على الحقيقة في اذهان الناس. عن ضوء القمر الذي ينسل الى غرفة الصبية فتصبح حاملا بسببه. عن التقى والتقى الكاذب .. عن الظلم والفسق والاستغلال المتمثل في عبادة المال.
يروي المحيميد كل ذلك دون وعظ ودون ان يدب الملل الى نفس قارئه. يمزج الخرافي بالواقعي ليصف واقعا يبدو لنا احيانا كانه يحمل سمات خرافية.
0 تعليق