أحمَد الواصِل
..نقدِّم هذه القراءة النقدية،في جزئها الثاني،و المتناولة،رواية:”لغط موتى-2003″الأولى ليوسف المحيميد،لسببين مهمين،هما:تكريس ما بعد إشهار المرحلة الثالثة في الرواية السعودية الذي هو أحد فرسانها مع رجاء عالم،ليلى الجهني،عبده خال و نورة الغامدي،و السبب الثاني أنَّ هذا الإصدار الروائي و ما بعده من أعمال تتبع:القارورة/رواية-2004،النخيل و القرميد/رحلات-2004.يتم المحيميد عامه*الخامس عشر سردياً
إضافة إلى إحانة يوم ميلاده هذه الأيام.هنيئاً للدلو المليء بما يضيء عتماتِنا السردية.
..إنه:”منجم الخيال” أو كما يقول خورخي بورخس:”إذ ما هو الخيال،على أية حال؟.أعتقد أن الخيال مصنوع من الذاكرة و النسيان”(41).
..إن كلمة الذاكرة لو أعدناها إلى جذرها:ذكر أو حتى جذرها العبري:زخر.تظل محتفظة بحرف التجسيد و درجاته الأفقية:الكاف=الخاء=الغين(تحدثنا عن ذلك في كلمة:لغط).أي ما يحيل إلى الشيء المنتصب مثل الأساس أو الحضور الجذري في المكان(42) أو حتى الآدمي المتأنس الواقف منتصباً و ما كان من نشوء كلمة:ذكر في العربية أو حتى من تحولها العبرني:زخر.إلا صورة تتعدى الإحالة من الملموس المادي إلى المحسوس الذهني،و هي:الذاكرة.التي تحتفظ بما تلقته الواعية.و رصدته في خزانتها الداخلية إلا أنها سوف تحمل قطباً مذكراً فيها،يقابل ذلك تكوين كلمة:نسيان التي يحال إليها مصدراً كلمةَ:الإنسان(43).إنما إن ذهبنا بها نحو جذرها المعلول:نسى.سوف نبحث عن سر يحمله حرف السين و هي صفة التردد.أليس حرف السين من حروف الصفير و درجاته الأفقية:الصاد-الزاي.(لاحظوا:صفير أو زفير أو سفير تحيل إلى تحرُّك)،لكن جذور صوت السين،غير درجاته،تحيل إلى صوره العامودية:الشين(سلام/شالوم،دار السلام/ يروشلايم،سموات/شمايم بالعبرية).كلمة رجل بالعبرية: إيش و المرأة:إيشَهْ.(جمع رجال:أناشيم و إيشيم:شخصيات،أما نساء:ناشيم).لماذا كل هذا؟.لأن أصل الكلمة:نسى من:نشى التي تحيل إلى(النشأة و الجذر:شاء يحيل إلى المشيئة)،أي:أن الشين الذي يوحي بسلبية كمثل وصفي اللساني بصوت التفشي مقابلاً ضدياً مع السين إيجابي النزعة في صفيره و المعرفة في جدلية المقدس و المدنس بين روح سلف تغيب و روح شر توجد(44) هنا تلتقط الشين معنى الوجود من خلال جذر:نشى.أي:الكائن أو الموجود،و حسب قانون الإبدال بين السين و الشين
إيس أو إيش أي:وجد الشيء و حين نفيه نقول:لو إيش،و لكثرة الاستخدام تدمج:”لئيش”و تحت قانون الإبدال(الشين إلى السين) و التخفيف(حذف الهمزة)سنرى عندنا:”ليْسَ” التي تعني:لا يوجد .منحوتة من مظان الأصوات مبدلة في طور و مدمجة في آخر.لا تنسينا أننا هنا سوف نرى أن صورة أخرى للشين سوف تقودنا إلى معنى نحتاجه من:الثاء(المثاني/همشنيم(45)،اثنان/شنايم بالعبرية).إذ في كلمة:أنثى العربية أصل له غابر هو:إيشَهْ كما ذكرناها-لاحظوا الفعل الذيا استخدمت-و ما إضافنة النون إلا لمعنى:الملكية.أي أن معنى كلمة أنثى(تستخدم في لهجات الخليج العربي:نِثْيَا) أو إيشَهْ.في حروفها الأصلية:النون+الثاء=الشين،و لاحقة التأنيث:ى=الهاء.الكائنة المتملِّكة وجودها.هنا يظهر عندنا مقابل المبدأ الذكوري في كلمة ذاكرة المبدأ الأنثوي في لنسيان.حيث يصنعان لنا الخيال كما هو تعبير بورخس،السالف:”الخيال مصنوع من الذاكرة و النسيان”.
..أيضاً تتوالى المتقابلات المختلفة المبدأ فيما بينها في سرد متلاحق:”الريح التي تحف الحجر فتجلوه شيئاً مغايراً،و لطير يلامس أنثاه عابراً،فيتشكل من رخوين ما صلب و قسا،و الريح تضاجع رؤوس النباتات ،فينمو في بطن الأرض بذراً جديداً،و المرء يقذف بذوره،و المطر يخرق التربة،و كل شيء حولك،في الكون،صغيراً و كبيراً،يدعك بضراوة م ايصادفه، ويجلوه جيداً،حتى يتسنى له أن يراه، أو يرى ما تبدى و تشكل منه،مخلوقاً جديداً/ص:67″.
..سنرى تلك المتقابلات كيف تتبدى و تحيل إلى رمزية المذكر/المؤنث:الطير/أنثاه، الريح/النباتات، المرء/حرثه،المطر/التربة.فيما أن الريح:رمز مذكر و الحجر:رمز مذكر كذلك هو المطر:رمز مؤنث و التربة رمز مؤنث.تذهب بنا في دعك الهواجس الذهنية لا الملموسة كما بانت من مقابلاتها في الطبيعة.
..إن الريح سواء في جذرها:الهواء أو في فروعها الطبيعية:النسيم/العاصفة/الزوبعة.أو مشتركة مع التراب:الغبار.هي رمز مذكر.أما الحجر حين يُجْلَى من الريح كما أن المطر يخرق التربة.تحيلنا إلى ما أردناه من هواجس الكتابة.
..كما لو كانت الريح في أدنى درجتها:الصبا.أو أعنفها:العاصفة.مقابل الحجر أو الصخر الذي ينتظر جلوه من قبله أي ولادة تضاريسه بشكل آخر أيْ:أن الراوي يصبح سارداً إذا جلا لغته و أدواته أو :”خبرته الكتابية و دربته الروائية(46)كما المطر رمزاً مذكراً في جذره:الماء أو فروعه المتمايزة حجماً: النهر/البحر/المحيط.هذا التحول الذي يريده أو يهجس به ذلك الراوي الذي يكتب رسائله فيما هو يستطلع و يقلب في معرفة إذا ما كان قادراً أم لا.حيث تنبر تلك المتقابلات المثلية المبادئ في الطبيعة :الريح/ الحجر،المطر/التربة.التي سوف تحيل بين الراوي و سابقه تلك العلاقات الذهنية:التأثر و الاختراق كما هي أزمة البداية:المحو و الكتابة.
..حيث أن كتابة الرواية هنا تستعير تقنية:”موشور القصص”من الحكايات الشفوية في”ألف ليلة و ليلة” التي تتولد منها حيث أن كتاب الليالي كما لو كان نتاجاً قصصياً من:”نتاج كاتب واحد مجهول الهوية و غير مقيَّد بزمن”(47).فيما أن الراوي الذي يريد أن يكون سارداً لا بد أن يكون:”معروف الهوية و مقيد بزمن”.ليس معروفاً كاسم بل دور.و ليس قيد تزامن أو تاريخ بل زمانٍ سرْدِيٍّ.هذا هم أمض هذا الراوي جعله يكتب رسائل تحمل تلك الرواية.كذلك يقع في قلق لا ينتهي من أمر الشخوص التي إما تعترض على طريقة سرد حقائقهم أو صراع خياله معها:”موضي/ص:11 كذلك 12،الجد/ص:17،البنت الصغرى /ص:25 و المعالج الروحي/ص:34.و إما تخرج عيه من الورق السردي لتنكشف كأنما هي الحيلة التي يعيرها إلى القارئ/القارئة للاطمئنان إلى شخوصه في صورها التي تتحقق في خياله حين يكشف اسم البنت الصغرى أو مزنة/ص:55،أو الرجل المتبوع بالحمائم الذي ينكشف بالمهندس محمد أو الشيخ محمد/ص:68-69.
مرايا بورخس
..لكن ما يتوقفنا عند هذا الصديق الذي لم تصله الرسائل الأخيرة كما كان من قبل أن تخطئ سواه /ص:71.أي أن الراوي كان بحاجة مرافق ليقوِّم أو يقيِّم له هذا الورق السردي الذي دوماً لم يلق بالاً حسناً منه بل جاء من سواه:أهلاً،أيها الكاتب الكبير [..] أعجبتني كثيراً رسالتك إلى صاحبك،قرأتها كلمة كلمة،بل حرفاً حرفاً.يمكن حفظتها حفظاً/71.أليست تعبر بشكل مبطن إلى سلف روائي يحفظ رنينه صدى تمثل فيما يلي مباشرة:نقل رسائل جبران خليل جبران(48)/ص:23 أو إلى:”ألف ليلة و ليلة” عندما هجس بحكاية علاء الدين و المصباح السحري:”ليكن اسمه علاء الدين أ وولي الدين،أو أياً يكن،يجد مصباحاً مغبراً/ص:53.أما غير المباشرين سوف أذكر،على احتمال النقض،محمد شكري في استخدام كلمة:شيء/9=العضو الذكري(49)،و مسألة ألمحت إليها في التقاء هذا الراوي مع بورخس هوساً بموشور الحكايات الذي يستلهمانه من كتاب الليالي عبر صدى يتقراه في أعماق واعيته السردية:”هذا الرنين ليس سوى حكايات تتناسل،إحداهما من الأخرى، أحياناً حكاياة تلفظ الأخرى دونما رابط../ص:51″.هنا إشارة إلى شخوص الورق السردي ل:”لغط موتى” في مثالين مشرقين يوحيان بالولادة كما هي ولادة الخيال من الذاكرة و النسيان أو بالولادة السردية من سيرة الجد/ الجدة و حكايةالابنة/الأب:
1-حكاية البنت الصغرى/ص:21 منسلة من حكاية الجد/ص17.
2-حكاية سالم صبي المعالج الروحي/ص:37 منسلة من حكاية المعالج الروحي/33..
..هنا نقع عند برزخ السرد من حقيقة الواقع إلى الخيال المتحقق و من صورة الشخص الأولى إلى صورة المرآة الثانية.المرآة بالصورة و المرأة بالحكاية التي يقول عنها:”ظهرت لي امرأة صارت تروي لي حكايات غريبة و خرافية”.هنا إحالة إلى سيدة حكايات الليالي:شهرزاد.سواء كانت سيدة من مقام الحكايات ما بين النهرين(50) حتى مستقرها مصر لتكون:”ست الحكايات”.و ما تعني كلمة:”ست” في اللسان المصري القديم سوى المرآة مدلولاً مساوياً لكلمة المرأة أي:”كأن الروح البدئية تريد أن توصينا برسالة تقول أن المرآة ليست سوى رديفاً للمرأة لأنها تكشف عن قرين المرأة الخفي،عن روح المرأة التي استلبها الشيطان كإله للشر،فسميت شريرة أيضاً(ست)لأنها تعكس الوجه الحقيقي للمرأة،الوجه المستلب،الذي تحاول أن تخفيه”(51).ألسنا نذكر ماذا فعلوا ببطلتنا حين ظنوا:موضي مسكونة/ ص:34.حيث سُلِبَتْ حياتُها في واقع افتلتت منه حقيقته ما جعلها مبرأة في استشاطتها كضحية تقبض بخناق الراوي مهددةً ورقَه السردي بما استلبت إياه كما يشير تحليل الكوني السالف.
..إذن،فالمرآة حبلى بالصور و المرأة بالحكايات.أما الراوي يلعب لعبته أو يلتجئ إلى تلك المنافذ السردية أسلوباً في شخوص تتمثل صوراً من مرايا لنتأمل في سردٍ موتى الذاكرة يصيرهم هذا الراوي أحياء الخيال أو كما قلنا عن الزمان الروائي طالعاً من الزمن الحركي المقيد بنهاية إذ نرى راوينا في حالة هذا الورق السردي قد:”صهر الزمن الميت في الزمن الحي فقط،بل إنها [ أي الحالة ] تؤدي إلى على المستوى المعرفي إلى حالة التحول المتواصل في تسلسل الذوات و إحالتها المستمرة إلى غيرها”(52).
نشيد أوغاريت
..مفارقة المتن السردي هي ما تبعثنا تنبهاً إلى تلك اللغة السردية،إلى ما يتجاوز جودة رصف جملها المحكم سبكاً و تألق مجازاتها الوصفية في ما أطلق عليه:”التكوثر السردي” محيلاً إلى عنونة أخرى محتملة:”كوثر الوصف”ليس على مستوى اللغة بل رسم المشهد أيضاً كذلك نقول إنما بتقسيم مدرسي:
1-رسم فضاء المشهد.
2-لغة سرد المشهد.
..أي مشهد نأخذه مثالاً؟.إنه مشهد المعالج الروحي/ص:33-35.لماذا هذا المشهد ذاتاً؟.ربما لا أستطيع الإجابة عنه إلا بعد أن نكون مسارنا النقدي فيه مقابل عناصره المتجمعة في المتن السردي لعل القارئ/القارئة يسعفان هذه الورقات النقدي ببعض صبر و تأن،حيث أنني سوف أستعين بذاكرة كتابية على مستوى النقد و معرفية على مستوى المثاقفة لإنقاذ هذه الورقات النقدية حتى تبلغ أمرها مكتملة أو ناقصة كما هي الافتراضات الكثيرة بعد كل كتابة حيث لم يعد للمحو استطاعة حينها.
..إن حالة هذا التكوثر المجازي تتأتى من أن هذا المشهد السردي لم نرد له لأن يضيع في غمرة خطين متوازيين،من الرواية، على مستوى الحيل السردية:محتوى الرسائل و حراك الشخوص.إلى
أن هذا المشهد مبنيٌّ سردياً على نحو يجنح بنا إلى رصد عوالمه في هذا الخضم من المطاحنة السردية التي توشك أن تأتي على النص أجمعه لولا فطنة القارئ/القارئة حين نرى معهما هذا التكوثر على مستويين من اللغة آخرين:
-مخالصة اللغة السردية من آفة النثرية.
-الحبل السردي المحيل إلى وليد قادم.
..يتجلى ذلك في أن المطحنة السردية التي إن جاءت منبثقة من نصوص و تقنيات توازت بين الراوي، أو المحيميد كما أستطيع أن أصرِّح على غير ما مضى،و صنوه بورخس تجاه كتاب الليالي،موشور القصص أو مناسلة الحكايات أو المتاهات القصصية،إلا أن المتون تلد بعضها من موت عناصر في أحدها و ولادة بديل في التالي له.كما نعرف أن آفة الليالي في بنيتها النصية التشابك بين الشعر و النثر،فكأن السرد ممتنع إلا في فضاء الحكاية كمروية شفوية لا مكتوبة و من هنا تأتي ولادات السرد،أحد أهم مواضيعها المضمرة في روايتنا هذه،لتخلص أو تضع فاصلاً بين أزمة الشعر و نقيضه فيه:النثر،هنا نعود إلى تقسيمنا الأول عن لغة السرد التي سوف تجنح متعمدة لمخالصة اللغة السردية من النثرية نحو إعادة الخروج من:”خرائب القص و الحكي” الماضية،و إعادة مُشْكِل النثر إلى الشعر وليده أو نتاجه العليق به، لا وليد السرد لأن الإشراق هو لحظة بين الشعر و النثر كما هي التفاصيل لحظات مرصودة في القص و الحكي؛إذ ما كان تأكيد استخدام كاف التشبيه بكثير من البراعة ضمن بنية النص السردي،في مشهدنا المنتخب،إلا محاولة لدفع هذه المخالصة الأدبية فصلاً بين النثري من الشعري نحو السردي طالعاً من القص و الحكي.حيث نرصد في هذا النص المقتطع بطوله تلك التكوينية في جملة السرد الخاصة بالمحيميد كمقترح لإطلاق عقال التشبيه أحد درجات الوصف.إضافة إلى ذلك الانتباه إلى حيلة سردية تقارب التجسيد السينمائي في تشابك المشاهد بين بعضها تحت غطاء الإدراك الموهوم في إسقاط المتصور المحسوس نحو الملموس ببراعة:
“رغم أنني أخشى حضور الشخوص أمامي الآن،في شوارع
المدينة،في غرفة الانتظار لدى عيادة طبية،أو على طاولة مطعم
شعبيٍّ،لكنني لن أشعر بالاختناق يقبض حنجرتي،و يشدِّد قبضته
أكثر،كما هي اللحظة التي تدلي فيها رائحة دهن العود قدميها
فوق أنفي،فتجعلني أرى الدنيا بنيَّة و خادرة،و مسبلة العينين.
لحظتذاك،سأتوفز كوبر قط شوكي،و أن أتلفت حولي باحثاً عن
الرائحة السائرة نحوي كغبار معركة لا تنتهي.و سأجده يلقي نظرة،
ثم يجتاز الشاعر إلى ضفته الأخرى،و هو يلم فروته الصوفية،يسير
كعجل مستوحش،لا يني يقف بغتة،متلفتاً،ثم منطلقاً تجاهي،تقرع
حوافره المتلاحقة إسفلت الشارع.يقف أمامي،رافعاً رأسه ليحدثني،
رغم أن قامتي لا تتجاوزه،مما جعلني انظر إلى الأعلى .لن أسمع
شيئاً أبداً،سوى التحام و انفراج شفتيه اليابستين،كحصان راكض
بقسوة على أرض صلدة/33″.
..حين نرصد عليقات الكاف بجملها،هكذا:
1-سأتوفز/كوبر/ قط شوكي.
2-يسير/كعجل/ مستوحش.
3-السائرة نحوي/كغبار معركة لا تنتهي.
4-التحام و انفراج شفتيه اليابستين/كحصان راكض بقسوة.
..إذ سأضطر إلى ترك الثالثة لمألوفيتها،و أتوقف عند التشابيه الأخرى التي تشرك صفات بين الرواي و شخصه الذي يخشاه كما أفضى أول المقطع.ها هو الراوي يتوفز مثل:وبر قط المساوي في معناه المضمر:الرغبة المتحفزة،و الشخص الذي نال الصفتين الأخريين:عجل مستوحش التي تعني تلك القوة و الخصوبة المنفلتة كذلك مشابهته بالحصان الراكض التي توحي بالجموح في حين أو الموت في آخر.
..هنا يتحدد مفصل مهم يجعلنا نوحي بنهاية درسنا النقدي على تشبث بما نستبقيه منه حيث نرى أن هذا الراوي تلمَّس رغبة السرد أو كتابة الرواية عنده فيما هو بين شعورين يتصارعان فيه:الخصوبة أو العطاء القوي الذي يوازي الموهبة السردية و لا يبقى من الحصان سوى المضي جموحاً نحو الحرية كمعنى آخر من إيجابيته في كينونة الأسلوب السردي لديه لا سلبيته التي كان يظل يتراءاها لنفسه في ذلك الصراع الذي ربما حسمه حيث أدرك توافر:الموهبة السردية و الأسلوب السَّرْدي.إنما في ذلك الصراع كان يعوقه بعض الأوتار الحساسة من مواضيعه سواء في ثالوثها المحرم:الجنس،الدين و السياسة
أو حتى البحث عن صوت خاص به يجعله يخترق متوناً يتأثر بها أو ما أطلقنا عليها:”خرائب القص و الحكي” حين وضع تجربته كما وضع بورخس عماه ليضيئا مستقبلهما السردي نحو نشيد إن كان خارجاً من أوغاريت”المدينة المخرَّبة”كما في معنى محتمل(53)،أي:أوغاريت متون القص و الحكي عبر الإله كوثر الأوغاريتي:الماهر الحكيم.له في الصناعات دور(54)،و كما يرى بورخس أن الخيال صنعة النسيان و الذاكرة عند الراوي ليصبح سارداً،فإن كوثر الوصف هو ما يحيل بالتمكن مهارة أو دربة كما قال السبيل،ليكون:”التكوثر السردي” الذي تملكه راوينا في كتابته الرواية و ما تأكد له ذلك حتى حين حمل ورقه السردي متجهاً إلى موعده و صديقه الافتراضي/ص:81،الذي ما عاد له أن يكون موجوداً سوى بعض الحاجة لأن تكتمل الرواية من خلال رسم مشهد يحتال ليس فقط من أجل إكمال المشهد بدءاً من مقال عن الرواية الفرنسية التي:”يتآمر أبطالها في نهايتها،مدبرين كميناً لقتل كاتبها،فارتعشت و أن أتذكر رسائلي التي لم تصل بعد إليك/ص:83″.و لا من خلال شخوصه التي طفقت تلمزه من بعيد في مقهى الفندق أو المكان الذي كان ينتظر موعده فيه حيث يبرر بصوت من أراده ينهي الرواية عنه الرجل المتبوع بالحمائم أو المهندس محمد أو الشيخ محمد متحدثاً:”تخيلوا يظن أن هذا الرجل من اختراعه، وأنه غير موجود في الواقع، و صدفة بعد أيام يقابله في الشارع أو في مطعم أو بهو فندق بنفس ملامحه التي رسمها في الرواية، ونفس حياته،لكنه بلا حمائم طبعاً/85″.ليوحي لنا هذا الراوي سرديته المتألقة بأنها من واقع حقيقة حياة خاصة ربما عند المحيميد(55) أعاد تشكيلها في هذا النص السردي إيحاء أو:”في الأقل،وقائع تاريخية من حياة سواه و هو يؤكد على أن هذه القصص حقيقية رغم غرائبيتها..إنها قصص حقيقية بمعنى،أنها تتضمن تجربة ذهنية أو باطنية”(56)تجعلنا نستعيد تقنية بلغها في التشابيه لنورد ما قالته غادة السمان،عن أخلاق السلحفاة التي كان له أن يتذكرها كما تذكر في كوثره الوصفي:وبر قط،استيحاش العجل و جموح الحصان الراكض.
..إذ ما كان للحمائم أن:”تحف رأسي بأجنحتها الضاجة،أمشي سريعاً عل ىالرصيف،أراوغها بينما أخفض رأسي ممسكاً بشماغي الخافق،لكنها لا تبرحني،تحلق بعيداً،ثم لا تلبث أ نتندفع صوبي،لتجلل خطوتي القلقة/ص:86″.سوى أن تؤكد في معناها الباطني كمرسلات من السماء أي الذات الحاكية إلى أن رد الرسائل عاد بما هو حسم لتلك الموهبة السردية التي تألقت عبر أسلوبها السردي في كتابة روايتها الأولى.(اضطررت إلى إزاحة ما تبقى من الدراسة لاجتناب التطويل فيما هو فصل من كتاب قيد الإعداد عن نماذج من روايات و قصص قصيرة في المرحلة الثالثة في الرواية السعودية).
——
41-ص:157،بورخس مساء عادي في بوينس آيرس،ويليس بارنستون،ت:عابد إسماعيل،دار المدى-2002.
42-ص:144،بيان في لغة اللاهوت/ج:4،إبراهيم الكوني،دار الملتقى-2002.
43-ص:184،بيان في لغة اللاهوت/ج:2،إبراهيم الكوني،دار الملتقى-2001.كذلك تعني كلمة إنسان:العارف،من جذرها:إنس=ذو معرفة.ص:119،بيان في لغة اللاهوت/ج:3،إبراهيم الكوني،دار الملتقى-2001.
44-ص:92،بيان/ج:3-الكوني،مرجع سابق.
45-كلمة المثاني:آيات القرآن تتلى و تكرر.ص:891،الكافي،محمد الباشا،شركة المطبوعات-1992.و يشار عادة إلى السبع المثاني:آيات الفاتحة،و هي-أي:المثاني-عربنة مواضعة للكلمة الآرامية و العبرية: همشنايم الجمع و المفرد دون تعريف:هاء.مشنى-بالإمالة- أي:مضاعف و مزدوج و مشني،أي:معلم و مدرس.ص:512-513،قاموس-قوجمان، مرجع سابق.أما فيما يخص:المشنى أو التوراة الشفوية.ص: 66،الفكر الديني اليهودي،حسن ظاظا،دار القلم/دمشق- الدار الشامية/بيروت-1995،ط:3.
46-تعليق،السبيل،على روايات البداية السعودية:الأنصاري-السباعي-مغربي.ص:411،مرحلة النشأة في الرواية السعودية،عبد العزيز السبيل،المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين-جامعة أم القرى-1999.
47-ص:12،الأحلام المشرقية:بورخس في متاهات”ألف ليلة و ليلة”،ت:عيسى مخلوف،دار النهار-1996.
48-ربما إحالة لما كان يكتب جبران خليل جبران إلى راعيته ماري هاسكل محدثاً إياها عن رحلاته و مشاريعه.انظر.ص199 و ما بعدها،أضواء جديدة على جبران،توفيق صايغ،شركة رياش الريس-1990.
49-“ينتصب شيئه في يدي”ص:67،”أخرجه و أدخله و شيئي..”ص:106،الخبز الحافي،محمد شكري،دار الساقي-2000،ط:6.
50-يقول بورخس عن كتاب الليالي:”لقد شاعت أولاً في الهند،ثم في بلاد فارس،ثم في الشرق الأدنى،و أخيراً كتبت بالعربية و جمعت في القاهرة و أصبحت تعرف بكتاب(ألف ليلة و ليلة)”.ص:65،
سبع ليال،بورخس،ت:عابد إسماعيل،دار الينابيع-1999.
51-ص:199،بيان/ج:3-الكوني،مرجع سابق.
52-كما يذكر الغانمي ذلك في مقال المقدمة:”بورخس:لعبة التفسيرات الغامضة،ص:10،كتاب الرمل، خورخي لويس بورخس،ت:سعيد الغانمي،أزمنة-1999،ط:2.
53-يتكوَّن اسم:”أوغاريت” من كلمتين:أو=عاوَهْ:أيْ دمار أو خراب أو هلاك.بالعبرية حيث نطقت العين همزة من قبل الأركيولوجيين/الآثاريين الأوربيين.أما كلمة:غاريت/كريت:أي مدينة بالفينيقية مثل اسم قرطاجة بالنطق الفينيقي:قريتحدشت:أيْ،القرية الحديثة.ربما سميت أوغاريت باحتمال أن أو مختصرة الإسراف الصوتي من:عَ-وَ-هْ.على قياس أن أوغاريت كانت معاصرة لأورشليم ربما دمارها أو هلاكها دار مثلاً كما يوحي تسمية بيت المقدس بدار السلام/يوشلايم بالنطق العبري أو المعرَّب أورشليم كمثل حكمة:الموت أفضل من العزلة.أي:حياة الرهبان.المترجمة من العبرية:”أو حبروتا أو ميتوتا”(ص:433،قاموس-قوجمان،مرجع سابق)كذلك القياس:”أو غاريت أو يروشلايم”أيْ:دار السلام و لا دار الحرب.انظر.ص:253 و ما بعدها،تهويد التاريخ/م:1:عصور في فوضى،إيمانويل فليكوفسكي، ت:رفعت السيد علي،جماعة حور الثقافية-2002.
54-ص:70،موسوعة تاريخ الأديان/ك:2،تحرير:فراس السوَّاح،دار علاء الدين-2004.
55-قدمت أحلام مستغانمي،بطلها خالد طوبال الذي فاجأ الراوي/الراوية في رواية:”فوضى الحواس -1998(دار الآداب-بيروت)من شخصية الرسام المبتور الذراع الذي كان بطل سابقتها:ذاكرة الجسد -1993(دار الآداب-بيروت)ثم اتبعتهما بثالثة:عابر سرير-2003،منشورات أحلام مستغانمي.
56-ص:11،كتاب-بورخس/الغانمي،مرجع سابق.
*جريدة الرياض- الخميس 23 ذي الحجة 1425هـ – 3 فبراير 2005م – العدد 13373
* جريدة الرياض- الخميس غرة المحرم 1426هـ – 10 فبراير 2005م – العدد 13380
0 تعليق