أحمَد الواصِل
..نقدِّم هذه القراءة النقدية،في جزئها الأوَّل، و المتناولة،رواية:”لغط موتى-2003″الأولى ليوسف المحيميد،لسببين مهمين،هما:تكريس ما بعد إشهار المرحلة الثالثة في الرواية السعودية الذي هو أحد فرسانها مع رجاء عالم و ليلى الجهني و عبده خال و نورة الغامدي،و السبب الثاني أنَّ هذا الإصدار الروائي و ما بعده من أعمال تتبع:القارورة/رواية-2004،النخيل و القرميد/رحلات-2004.يتم المحيميد عامه*
الخامس عشر سردياً إضافة إلى إحانة يوم ميلاده هذه الأيام.هنيئاً للدلو المليء بما يضيء عتماتِنا السردية.
—
..تناولنا في مقدمة سريعة و مختصرة مراحل ثلاث للرواية السعودية،و هن:المرحلة الأولى1930-1959:مرحلة التأسيس التي تدرجت من الإرهاص ثم التأسيس ثم البداية.تلتها،المرحلة الثانية (1960-1980):مرحلة الفعل الروائي التي رسخها جيل اقترح تنوعاً في الرواية الواقعية ،الرومانسية و السياسية.تبعه موجة جيل حسم الصراع السردي لديه من خلال وعي قصصي أو:”الواعية القصصية” لديه في فن القصة القصيرة.أما المرحلة الثالثة(1980-2000):التي دشنت بجيل:أمل شطا،هدى الرشيد،،هند باغفار،تركي الحمد و أحمد الدويحي كشف عن مثاقفة و تواصل سردي و التيارات العربية كذلك المتسربة ترجمة عن لغات إنجليزية،فرنسية و روسية.منذ نتاجات الخمسينات و ما تلاها منفصلاً ما بين جيل اختار الرواية همه الإبداعي فيما انتقل إليها دفعة تدنوه بعد نتاج في القصة القصيرة، مثل: عبد العزيز مشري،عبد العزيز الصقعبي،عبد الحفيظ الشمري و فهد العتيق أما الجيل الذي ينهي هذه المرحلة و لا زال يدفعه الزمن ليتوهج و يصل أقصى طاقته هو ذا منه يوسف المحيميد إذ نتناول روايته الأولى التي إن كان تأخر تاريخ صدورها عن زمن كتابتها إلا أنها ستكون مؤسسة لوعي سردي يطرح إشكالاته الإبداعية،من خلال صياغة السؤالين اللذين طرحتهما سابقاً إنما بتوسعة:
-ما الرواية؟.( أو كيف تكتب النص السردي؟).
-ما الراوي/الراوية؟.(أو ما دور الروائي/ الروائية من دور الراوي(ة) العليم(ة) ؟).
..إذن،هنا سوف نرصد،في مطالعة نقدية،إلى كيفية حاول أن يجيب عليهما أي:السؤالان المعلقان، روائينا المحيميد،في سردية حملت هواجس طالت زمناً منذ كتابتها أو حتى التفكير بها إلى نهاية كتابتها:”أكتوبر1995-نوفمبر 1996″(21)،و انتظار سنوات حتى نشرها-2003(22).
..تتكون الرواية عبارة عن رسائل يكتبها صحفي/ص:7 (23)يحمل فيها رواية إلى صديق يناديه تارة: أيها الصديق/ص:37،و أخرى:يا صديقي/ص:51-53-61-67-76(24).بالطبع هذه حيلة سردية خطيرة سوف تكون علامة مميزة للمحيميد إضافة إلى كونها عتبة لنصه السردي الذي يقع في منطقة صراع ما يريد قوله إلى صديقه في محاولة كتابة رواية يمرر حينها شخوصاً يتخيلهم بعيداً عن حياة الواقع أو تجنباً لما قالته الجدة إحدى بطلاته:”أن تكتب ما تسمعه،فأنت تنقل الغائط فقط للناس البلهاء/ص:30″.فيكتشف حينها في الرسائل:”أنني هنا،لم أكتب رسالة،و لم أشرح خلاصي،بل أتقنت تورطي،بأن هنا أنجزت روايتي/ص:52″.
..هنا ما يوحي إلى عنواننا:بيان يوسف المحيميد الروائي،أتناوله لاحقاً،حيث سوف تذهب الحيلة إلى أقصى مداها في ما يمكن أن أجعله قسم الرواية الثاني/ص:50،الذي سوف يركز أكثر على غياب المرسل إليه،الصديق الذي لن تصله الرسائل،فيما يكشف لنا الفاكس،و هو حيلة أخرى بذهاب رسائله عن طريق خطأ في رقم الفاكس إلى أحد أبطال الرواية المفترضين:مسعود في مقطع طويل نصصه: “(..)”/ص:72-76 و مواجهة آخر منهم:المتبوع بالحمائم /ص:68 أو المطوَّق بها/ص:15 الذي صيره أحد هواجسه بهم حقيقة خشيها أن تمثل أمام عينيه/ص: 84،و ما كانت هذه الحيلة لتتصاعد نحو النهاية إلا نتاج اطمئنان ضمني من لدن السارد لقارئ/قارئة الرواية أنه استلم فاهمته للحيلة السردية التي سوف تتجلى في تجسد الأشخاص إلى أقصى حالاتهم السردية في مشاركته طاولة الكتابة من المتحدثة طويلاً البنت الصغرى53-57.كذلك موضي التي تريد أن تقول حكايتها خارج سياج الورق السردي/ص:58.
..إن البنية النصية التي كونت لنا رواية:”لغط موتى” تنطق عن متعدِّد نصِّي شكَّلَتْه الحيلة السردية من خلال تكوينها:رسائل إلى صديق،و شخوص تفلت من الخيال و تنحجب حقيقتها حيث غلبة ما تريد أن تقوله عبر هاجس الراوي لا نواياها:سيرة الجد/ص:15 أو حكاية بلسان الجدة خوفاً من تشويهها/ص: 45.
..إضافة إلى ذلك أن هذه الورشة الروائية تتجلى في الورق السردي الذي حاول أن يلتقط لا حيل كتابة رواية بل هاجساً يعترض كتابة الرواية حيث تلتطم موج صراعات بين مرونة رقابة الذات و ضغط رقابة المجتمع في حقليها الملتهبين:السياسي و الديني فيما الخفارة الجنسية حسم أمرها(أعتقد أنه علِّق) في صيغ المجاز السردي المتألقة عبر موضعين:
1-مشهد ابنة مسعود،موضي عابثة مع أحدهم يصفه الراوي بنية اعتراف لمسعود:”كلباً/ص:9″،فيما يلتذ السرد مخاطباً في ضمنيته مسعوداً:”و قادت خاضعاً ودوداً إلى حجرتها ببابها الحديدي؛لم يكن صرير الباب ذاك الذي يعلو في الظهيرات،بل كان هسيسه ممتناً و دائخاً،بعينينه اللامعتين،و هو يحس بعضلاته كلها تتخلَّص من رخاوتها،و تفز،فينهض عجلاً متشمماً،و من شدقيه يتقاطر جوعه و ضلاله،ثم يعلو قليلاً، غارزاً شيئه،هازاً كبندول ساعة في حوش بيتك الحجري/ص:9″.
2-مشهد اغتصاب ابن الرجل باللحية المشذبة بعناية/ص:15،لموضي زوجة والده بسبب:”عزله عن تتمة دراسته،لينتهيَ بأن يحفر بركبتيه أرض الغرفة القاسية،و ينفض نشيجه أثواب أبيه المعلَّقة في الخزانة الخشبية كرجال مشنوقين/ص:12.
..إن مشهد العبث يكشف عن:”تنجيس جنس المتعة لحساب تقديس جنس الإنجاب”(25) ما يكشف أيضاً من خلال النص الروائي استشاطات موضي على الراوي/ص:11-14 ألا يعزل قصتها التي أودت بها نحو مصحة عزل /ص:14 أو مشفى العزل/47،و هذا ما يدفعنا إلى ازدواجية:مباركة الأم و لعن العشيقة (26) حيث تجلت بمشهد أخذ الجدة موضي إلى المعالج الروحي ليبرئها منها/ص:26-34.
..إن حادثة موضي الأولى أوصلتها بتتابع من تهمة سكنى الجن/ص:34 إلى مشفى العزل أ ومصحته كما سلف ذلك هو تصرف قيم المجتمع(في يباسها أو تكلسها)إلى محاكمة:”اليقظة الجنسية [ التي ] هي بداية الخير و الشر”(27) كمثل ما أكمل ذلك المشهد برمزية صوب ما ترك من:”عقد ينتهي بحلقة نحاسية يجلجل في ظهيرة قانطة،كما الأجراس الضاجة،في عنق الحمار الساحب عربة الجاز،في شارعك الترابي/ص:9″.لاحظوا فيض الإحالات التوالية:الجرس=اليقظة،الحمار=الغريزة المكبوتة، الجاز=القيد كونه موسيقى الزنوج المستلبين و ليتوازى هنا لعن العشيقة بجلد الزنوج الذي سوف تنطقبه الرواية فيما حصل لجوهر حيث شاهداه البنت الصغرى و سالم صبي المعالج الروحي:”يلتمع على ظهره الأسود بريق ضوء كاب آت من الخارج،و هو ينحني كصخرة عتيقة،يجأر،في غمرة غمغمة ناعمة متكسرة تشبه انسكاب خيط القهوة من فم الدلة العالي،صوب الفنجان/ص:43″ ثم الإحالة الأخيرة:التراب=الخطيئة الأولى نحو ما تعطينا إياه الأسطورة البابلية حيث هو مركب الإنسان:الطين و الدم(28).
التابو مسفوحاً
..إن تلك الحادثةمشهد عبث موضي التي كانت إحدى تتطورات شخصيتها جراء حرمان جنسي من جهة زوج،متعدد الزيجات(29) أخذها صغيرة لم تتعد الثلاثة عشرة ربيعاً/ص:11 مقابل اغتصاب ابنه لها كما سلف سوف تكون إدانة صريحة لقرون طويلة من حجاب المُتْعَة في الفقه الإسلامي مخالفة مكشوفة لما ورد في نص القرآن الكريم و الأحاديث النبوية(30)إلى ما يرينا الانتقال من حال مجتمع رحب نحو:”عالم ضيق يقطع الأنفاس”(31).أنفاس موضي.إذا غالبها الاجتماعي الديني في غيبيته و تفسيره المحجِّم و المحجِّب يدفع إلى كشط الاجتماعي السياسي في حال والدها الذي يصفه أول النص ب:المتبوع بالحمائم أنى اتجه/ص:13،الذي سوف ينكشف عن اسمه بعد سنوات غياب بالشيخ محمد صاحب شركة الوطن للمقاولات/ص:69 حيث لم يصرح الراوي عنه حين حاول تخليص نفسه من قبضتها/ص:13 حتى جعل من والدها يكشف لها عن سبب غياب بعد أن:”عرف كيف يقبض على الدنيا،لا أن تقبض هي عليه، كما فعلت ذلك المساء البعيد الذي مشى فيه عبر مقدمة المنزل،ليعالج الباب المطروق تواً،ففتحه و غاب/ص:68″،لكنه حين عاد ربما أوحى لنا الرواي بلون أحمر خاطف إلى الشيوعية عبر كتاب اشترك فيه قطبيها(32)في صلب مشهد يصف رجوعه:”كتبي كانت متناثرة و ممزق بعضها في أنحاء العشة،لمحت بعجل غلاف”رأس المال”،و على الحائط كانت الصورة بالأسود و الأبيض قد تفلتت زاويتيها العلويتين من اللاصق و انثنت إلى الأسفل، رفعتها،فكان كما تركته بقبعته الصوفية و شعره الطويل و نظرته الثاقبة كصقر حر،و غليونه يحدِّق بي بنظرة محارب عاد للتو من موقعةٍ شرِسَة/ص:68″(33).هكذا حالة من ثالوث الاستبداد وصياً أو موصى به سيكشف لنا صورة عن ممثلي هذا الثالوث عبد الله القصيمي:”[ ها هو ] رجل الدين،فهو الذي يظل يشتم الناس و الحياة لحسابه الخاص،ثم يذهب يطالب الله و المجتمع بثمن شتائمه!.[أما ] السياسي،إذن في جميع مستوياته و جبهاته لا يكون أكثر أو أفضل من مرض يصيب المجتمع،و لا أكثر أو أفضل من طبيب غير بارع و غير صادق يحاول أن يعالج المجتمع أو يدعي علاجه أو يتظاهر بعلاجه من مرض قد أصابه هو به!”(34).
..أما في إطار ما يتجاوز:”الخفارة الجنسية” في مقترح يرينا:”عندما تزول حاجة الإنسان إلى الخلاص الروحي الموهوم،لوجود الخلاص لمادي الإنساني،ستزول الأرضية الإيديولوجية القائمة على إيمان الناس و المسخَّرة لدعم نظام الكبت والاضطرابات النفسية و الأمراض العصابية من الشعور بالخطيئة إلى علاقات التملك بين الرجل و المرأة إلى عقدة أوديب في العلاقة بين الأبناء و الآباء و كل أشكال المرض.[..]و الجرائم الجنسية.فهذه تنبع من تناقض الحاجات مع الواقع اللاإنساني أو تناقض مبدأ اللذة مع المبدأ الأخلاقي القمعي.و لن تعني العذرية و الرهبنة من بعد سوى الاستغناء عن التمتع بلذة من الغباء أو عجز التنازل عنها طواعية..”(35).
البيان الروائي
..إذا كان ما فات كاشفاً عن ثالوث أوتار حساسية المجتمع:الجنسي-الديني في حادثتين عبرتا عن حرمان في علاقة عابثة أو متعة و تغرير بالزواج من رجل متعدد الزيجات لموضي و السياسي في حال والدها محمد المنتمي للتيار الشيوعي،فإن هناك ثالوث حساسية السرد،المتمثلة فيه حالة الراوي حامل روايته برسائل،الذي ظلَّ في صراع في عنصرين مؤكدين،هما:
-الموهبة السردية.
-الأسلوب السَّرْدي.
..حيث أوردهما تحت قناعة وصف:اللغة و الأداة/ص:42.مقابل مسألة أخرى جعلها سببَ ما ظنه الراوي في نفسه:”..لست قادراً على أن أنكبَّ لليال،و لشهور، ور بما لسنوات مؤججاً شمعة عرفها ينثني كلما تنفست ملياً،و من أعلاها يتمشى شمع يحفر بدبيبه،كبشر يتناكبون،ليس علي سوى أن أخط بسواد قلمي على رؤوسهم ملامح و أحلاماً و ذكريات،و هزائم و أسراراً و مكائد..ثم أنضِّد لهم طرقات و شوارع ، سراديب و مكاتب، وسجوناً و قصوراً،ردهات و بيوت صفيح،لأجعلهم يمشون بمشيئتهم إلى ما يقودهم من وقائع و أحداث../ص:7″(36).
..ما هو هذا العنصر؟.ربما تساعدنا تجربة الروائية غادة السمان حيث تصف هذا العنصر:
“أخلاق السلحفاة:[ ..] نجد (النفس الطويل) ضرورة لاستمرار الكاتب.إن القفزات(الأرنبية) من آن إلى آخر لا تؤذيه،و لكن مثابرة السلحفاة الصامتة البعيدة عن الشكوى هي الخلفية الداخلية التي تحميه من نوبات الفتور و لحظات الخيبة و انكسار الروح و الحلم.طموح النسر ضروري للفنان لكن إصرار السلحفاة الصامت المستمر هو خبز العطاء.”(37).
..حتى إن اكتمل لهذا العنصر كشفه.ثمة مشكل لدى هذا الراوي ما يتجاوز محاولة كشفنا لما سلف حين يضعنا في الموقف الذي يروي به الراوي هذه الحادثة:”لم أقل لمن يرى أن أكتب رواية أنني كتبت كثيراً،أو ربما هجست فقط-دون أن أكتب-في شخوص ووقائع و أماكن غريبة وظننت أنني نضَّدْتُ خيوط حكاية ما،لكنني على أيٍّ سفَّهْتُ بصديق أهداني محاضرات كاتبة إنجليزية حول كتابة فن الرواية،و كيف نضع جدولاً نرتب فيه فصول الرواية،و تفاصيلها،ثم نصنعها،بأن أعدت إليه كتابه،دون أن أقول له،أن كتابة رواية تحتاج إلى فكين شرسين،لا يكفان عن الهذيان/ص:21″(38).
..لكن،عندما نقرأ له مقطعاً يحيل إلى موضوع مضمر يريدنا أن نكتشفه كما هي حيلة السرد التي ابتدأها بمناسلة الأحداث،أو الحكايات كما سيبدو،مسترجعة من بعض شخوصها ليطمئن القارئ له حتى أن كشف مسألة الرسائل في القسم الثاني الذي ادعينا له هذا التعريف لكي نراه يلمح إلى معوقات أخرى غير:”أن ما يعوق كتابتي لرواية هو حضور هؤلاء الشخوص بشكل طاغ،يجعلهم يشدون ثوبي كل فينة،كما صغار يتشبثون بعباءة أمهم السائرة في الطرقات،ماذا ستفعل إنها،إما ان تخلع عباءتها و تدعها مهم يمزقونها حسبما يشاءون، كما أفعل بأن أدع ذاكرتي كرة يلهون بها، أو أن نخبئهم في عباءتها و تقطع بهم العمر،إذ تحجبهم عن الأعين الشرسة و الهمهمات المحلقة،كما أفعل لسنين../ص:52″.
..لا يضع لنا في عثرة الطريق صفات المعوقات:
-الأعين الشرسة.
-الهمهمات المحلقة.
..دون أن تكون أقنعة تحيل إليها فعلياً إنما تنضمر في باطن العقل السردي أو الذات الحاكية حين يواجهان أزمة الراوي مع أحد عناصر ثالوث المجتمع في درجة حادة من نقف وتري: الحقيقة و الخيال في السرد حين نطالع وضع حد،أيْ:تعريف لهما في ثقافة أرثوذكسية الطابع في:”همهمات محلقة”:
“المقصود بالحقيقة هنا:الصدق [..] لأنها أعم و أشمل و أدل على موافقة الواقع من لفظة الصدق المجردة،لأن من الصدق ما يكون باطلاً حين يظهر المتكلم أو الكاتب بعض الحقيقة و يصمت عن بعض فيتوهم السامع أو القارئ شيئاً مخالفاً للواقع [..] و قد يحتال إلى إبرازها و نشرها بدهاء والحيلة و المكر،و لكن ذلك لا يضر في دلالتها و لا قيمتها.[..أما الخيال ]،مخالفة الواقع،أي نقيض الحقيقة [..] سواء كانت تلك المخالفة متعمدة أو غير متعمدة،و الكذب في العادة لا يستعمل إلا في حالة التعمد و المخادعة،و لذا فو مستهجن و مذموم دائماً[ !؟]”(39).
..أو ما يدعمنا أكثر في بخْقِ:الأعين الشرسة” التي تحيل من الخيال أزمة الحقيقة في القص/السرد، تحليل الأنثروبولوجي عبد الله المحيميد:
“..ورد في “لسان العرب”لابن منظور أن القاص:من يأتي بالقصة على وجهها كأنه يتتبع معانيها و ألفاظها.كذلك في الحديث:”..لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال”.أيْ:لا ينبغي ذلك إلا لأمير يعظ الناس و يخيرهم بما مضى ليعتبروا،و إما مأمور بذلك،فيكون حكمه كحكم الأمير و لا يقص مكتسباً،أو يكون القاص مختالاً يفعل ذلك تكبراً على الناس أو مرائياً يرائي الناس بقوله و عمله،فلا يكون وعظه و كلامه حقيقة.”(40).
..لكن راوينا، سوف يلمح إلى أمر يخرج من دائرة السرد في أمر هذا الوتر المنقوف الذي سوف يورق على ميلة الخيال عبر دافعين أضمر أحدهما الراوي في صفة حيث شكا:”يا إلهي،هل يمكن أن يكون خريف الذاكرة رواية ما،هل ورق الذاكرة اليبس الساقط كحكايات قديمة و شائخة،يمكن أن يسح فوق الطرقات كأناس ألمحهم يعبرون في رأسي كما لو كانوا خلف زجاج مضبِّب/ص:52″.
..إن “خريف الذاكرة/يباس الذاكرة” يحيل إلى مسألة النسيان التي بينها و بين مسألة الذاكرة مجال في الفائدة من الشفوي إلى المكتوب أيْ:أن ناتجاً ثالثاً يتحيَّنُ ولادته من احتكاكٍ بين النسيان و الخيال ينهي صراعاً حروفياً بين مقابلات انفرطت تمثيلاً كان قلَقَيْها الأكبرين:المحو و الكتابة حيث يدخل في دوامة هاجسه:”ألا ترى كيف أن الفرك أو الاحتكاك كفعل بدائي و غريزي يمكن أن يوجد كائناً ثالثاً أ وشيئاً ثالثاً،أن تحك شيئين ببعضهما يمكن أن ينشأ لك شيئاً ثالثاً،أن تحك خطفاً حجراً ما بحجر،يمكن أن ترى الشعلة مثلاً،أن تحك متحركاً بسشاكن،أو صلباً برخو،أو شرساً برخو،تجد شيئاً ما-لم يكن في الحسبان-يتشكَّل و يتجسَّد ببطء/ص:67″.
..إذن،ماذا يلد من احتكاك:” الذاكرة و النسيان”؟.
—-
21-ص:86،لغط موتى،يوسف المحيميد،منشورات الجمل/كولونيا-2003.
22-ص:4،لغط-المحيميد،مرجع سابق.
23-سأشير إلى أرقام صفحات الرواية داخل المتن.
24-يقدم الرواية بعبارة:رسائل لن تصل إلى عبد الله السفر،ص:5،لغط-المحيميد،مرجع سابق.ربما يكون هذا الصديق المعني أو كلمة صديق هي صورة يكونها خيال يوسف المحيميد عن مفهوم الصداقة المتفرد لديه التي مبدأ ممايزتها كعلاقة إنسانية يتطلع فيها إلى:المرونة صوب أفكار مختلفة و التفكير المنطقي صوب نزوع الاستقلالية الذي ربما يتعزز من خلال الصداقة النوعية التي يتطلَّع إليها لتوزان عناده صوب التجاهل و غزارة العطاء نزوعاً إلى الكمال.درج يوسف حين مراسلتي الجوالية باستخدام:يا صديقي.لعلي لم أكن أدنى من إطار تصوره للصداقة.
25-ص:59،الثالوث المحرَّم،بوعلي ياسين،دار الكنوز الأدبية-1996،ط:6.
26-ص:59،الثالوث-ياسين،مرجع سابق.
27-ص:60،الثالوث-ياسين،مرجع سابق.
28-ص:61،الثالوث-ياسين،مرجع سابق.
29-بالإمكان مراجعة فصل:ذكورية المتعة و زواج الإحصان اللامحدود/ص:227،توظيف المحرَّم، سليمان حريتاني،دار الحصاد-2000.
30-ص:78،الثالوث-ياسين،مرجع سابق.
31-ص:82،الثالوث-ياسين،مرجع سابق.
32-كارل ماركس(1818-1883)ص:618-623، و فريدريش إنغلز(1820-1895)ص:99-100، معجم الفلاسفة،إعداد:جورج طرابيشي،دار الطليعة-1997،ط:2.
33-يسعفنا هنا تحليل الباحث.المديرس:”عانى الماركسيون في الكويت و في منطقة الجزيرة و الخليج العربي الحملة العدائية التي شنها القوميون على الشيوعيين و الشيوعية في الكويت،إذ كان من سمات فترة الخمسينات البارزة صعود الفكر القومي المتسم بالشوفينية و العداء العنيف للشيوعية”.ص: 30،التوجهات الماركسية الكويتية،فلاح المديرس،دار قرطاس-2003.
34-ص:32-33،كبرياء التاريخ في مأزق،عبد الله القصيمي،الانتشار العربي-2001،ط:2.
35-ص:86،الثالوث-ياسين،مرجع سابق.
36-يشير إلى ذلك علي زعلة من أسباب تأخر الرواية السعودية:”كسل المبدع السعودي في وجه عام،و و تراخيه في القيام بصورته الثقافية و الفنية كشاهد على الواقع من جهة،و فاعل مؤثر في صيرورته و تحوله من جهة أخرى عبر عمل روائي زاخر و جريء”.ً:20،آداب و فنون:قراءة في المسار الروائي: هوامش و تحولات،الحياة/15077،8 تموز-يوليو 2004.كذلك نشرت مترجمة إلى الإنجليزية:
-The Novel In Saudi Arabia,BANIPAL,No:20,Summer 2004.
37-ص:18،المصباح/3،5 أيلول-سبتمبر 1980.
38-هل يحيل المحيميد بشكل مضمر إلىإحدى كاتبات مقالات كتاب:تقنيات الكتابة،مشترك،ت:رعد جواد،دار الحوار-1995 ؟.
39-ص:101-102،السيرة الذاتية:الحد و المفهوم،أحمد آل مريع،نادي أبها الأدبي-2003.
40-القَصُّ..كفكرة يهودية عند البعض!،كتابات معاصرة:51،آب 2004.
0 تعليق