«أحيانا أحس انها الذاكرة، ذاكرتي ككرة ثلج مردومة بحجر، وأنت أيها الصديق الشقي مررت قربها، ولا أعرف، بقصد أو دونه، مسست بقدمك حافة الحجر، فتدحرجت كرة الثلج، بطيئة في البدء، ما لبثت ان انهالت سريعة، متعاظمة وهي تزدحم بالثلج الناس، بالثلج الحكايات، بالثلج الوقائع، بالثلج الأسرار، والكنوز، والأحلام والهزائم” “صوت السارد، الرواية، ص51”.
تبدو الكتابة في رواية «لغط الموتى» ليوسف المحيميد كتابة سردية ذات اشكالية غرائبية بطريقة أو بأخرى، كما يتضح من النص السابق المقتبس الذي يكشف عن ذاكرة مزدحمة بمولدات السرد الروائي، وتحديداً الكتابة السردية الغرائبية، لأن الرواية في ضوء غرائبيتها تستفيد من سياق الكتابة السردية الجديدة، فنراها (رواية ضد الرواية) أو (رواية مضادة)، بمعنى انها تضع قارئها في جو سردي تجريبي، موضوعه الرئيس فشل السارد بطل الرواية في كتابة رواية، قد حرضه الآخرون “الأصدقاء” على كتابتها. ثم نجد أنفسنا بوصفنا قارئين لهذا العمل التجريبي الذي يبرر الفشل في كتابة رواية ما، ندخل الى جوف رواية غايتها تصوير مخطط روائي يحاصر السارد، فيبعده عن كتابة الرواية المنتظرة او المتوقعة، خاصة في الزمن القاتم الذي نرى فيه «الكلب» أكثر حظوة من انسانية «الانسان»، كما يرى السارد.
وهنا تبدو المفارقة واضحة عندما نجد ما فسر على انه فشل في كتابة الرواية هو في واقع الامر انجاز روائي اشكالي حواري، فيه الوضوح والتعقيد معا، الشعري والسردي، التقريري والترميزي.. حيث تنشأ فاعلية الرواية من ازمة كتابة الرواية، او من اشكالية اننا على المستوى الجمالي بحاجة الى عمل يثبت نفسه، لا الى مجرد كتابة سردية تقريرية، يأكلها الغبار فوق الرفوف، ان حظيت بمسمى «رواية» على أية حال.. ربما لن تعجب رواية «لغط الموتى» ذائقة القارىء العادي، بل أؤكد على ذلك كما قد ينزعج القارىء الذكي من اللعب السردية او الهجين السردي في متنها، خاصة ان هذا المتن يبعث الحيرة والقلق اكثر من ان يفضي الى الفهم والاستيعاب مباشرة، حيث تدمج هذه الكتابة السردية بين الواقعي السحري والتخيلي الخرافي، وتحديدا بين سطوتي الشخوص في الواقع وهم في الوقت نفسه اموات، فلا تعود تدرك اين هي الزاوية الآمنة التي تستحق ان تقف فيها وتعلن من خلالها انك فهمت جماليات الرواية كلها، في تراكيبها اللغوية المتعددة، ودلالاتها المباشرة والعميقة، وبنائها السردي مبني ومعنى!
نجد على سبيل المثال تداخلا بين البنى السردية التي تشتغل عليها هذه الرواية، الى حد امكانية التعامل معها من خلال عدة اجناس ادبية. فهي رواية تبدو من جهة عدة رسائل يتميز فيها رسالتان طويلتان، يبعثهما البطل/ السارد الى صديقه الذي حثه على ان يكتب رواية، فيعبر له في هذه الرسائل عن الاسباب التي تحول بينه وبين ان يكتب رواية مهمة، موضحاً الفشل الذي يغدو موضوع هذه الرواية على وجه التحديد. يقول السارد/ بطل الرواية واصفا هذه التجربة: «تخيل روائي فاشل، يحاول دائما ان يكتب رواية، لكنه يفشل بامتياز، فيمزق كل اوراقه التي كتبها، ثم لماذا لا تكتب رواية، لم يجب بأنه يجرب ويفشل، انما اراد ان يكتب له رسالة مطولة يبين فيها سبب قلقه من كتابة رواية، وخوفه من الفشل، فيفاجأ انه كتب للمرة الاولى رواية ناجحة” (ص84).
فمن خلال صوت الرسالة السردية الحوارية مع الآخر الصديق الغائب، يتمكن الكاتب من توفير فرصة لتطوير الحبكة السردية ونموها في اتجاه الترابط الحواري الذي يعطي البنية السردية دينامية التصاعد في الحركة المعبرة عن ذاكرة حوارية تحمل تساؤلات كثيرة موجهة من الآخر الى السارد، وردودا كثيرة من السارد عيها، وكأننا امام محاورة صحفية، لا تخفي تأثر المحيميد بعمله الصحفي، الامر الذي جعل روايته قصيرة (80 صفحة من القطع الصغيرة، وهي لا تتجاوز الستين صفحة فعليا) ذات لوحات قصيرة لا تتجاوز عشرين لوحة، مما يجعلنا نصفها بأنها رواية قصيرة جدا أو بأنها مخطط مشروع كتابة رواية، حيث تبرز الحوارية من خلال السائل والمجيب في بداية حل اللوحات، مما يحفز على الكتابة الفاعلة، كما يتضح مما يلي، مكتفياً ببعض الافتتاحيات لبعض اللوحات:
_ “أصدقاء كثر يظنون انني لا املك ان اكتب نصا طويلا، رواية» (ص7).
_ «كثير من اصدقائي، وانت احدهم، يقعدون اسئلتهم قبل ان تشتبك معي ايديها الطويلة” (15).
_ هل ترى أيها الصديق الذي يسألني ذات مساء.. (37).
_ “كثيرون يتثاءبون عما إذا جربت إن أكتب رواية” (41).
_ “كيف سأروي لك” (ص43).
ـ “هل تعرف أن قرف كتابة رواية يأتي من شغف الشخوص في الحكي” (45).
_ ” هل ترى ياصديقي كم صعب أن تبقى في حضرة مجانين” (51).
_ “هل ترى يا صديقي؟” (53).
_ “إن كنت لا تؤمن يا صديقي بأن الممحاة وهي تنسف وتنسف وتلغي وجود الكائن، إنما كانت تحقق وجوده بطريقة أخرى” (61).
_ ” هل تتخيل يا صديقي، كم مؤلم أن لا تملك أي ممحاة” (67).
_ «كيف تلقيت رسالتي، وتبريري لعدم كتابة رواية» (ص 71).
جريدة الجزيرة -العدد11018في28/11/2002م
تبدو الكتابة في رواية «لغط الموتى» ليوسف المحيميد كتابة سردية ذات اشكالية غرائبية بطريقة أو بأخرى، كما يتضح من النص السابق المقتبس الذي يكشف عن ذاكرة مزدحمة بمولدات السرد الروائي، وتحديداً الكتابة السردية الغرائبية، لأن الرواية في ضوء غرائبيتها تستفيد من سياق الكتابة السردية الجديدة، فنراها (رواية ضد الرواية) أو (رواية مضادة)، بمعنى انها تضع قارئها في جو سردي تجريبي، موضوعه الرئيس فشل السارد بطل الرواية في كتابة رواية، قد حرضه الآخرون “الأصدقاء” على كتابتها. ثم نجد أنفسنا بوصفنا قارئين لهذا العمل التجريبي الذي يبرر الفشل في كتابة رواية ما، ندخل الى جوف رواية غايتها تصوير مخطط روائي يحاصر السارد، فيبعده عن كتابة الرواية المنتظرة او المتوقعة، خاصة في الزمن القاتم الذي نرى فيه «الكلب» أكثر حظوة من انسانية «الانسان»، كما يرى السارد.
وهنا تبدو المفارقة واضحة عندما نجد ما فسر على انه فشل في كتابة الرواية هو في واقع الامر انجاز روائي اشكالي حواري، فيه الوضوح والتعقيد معا، الشعري والسردي، التقريري والترميزي.. حيث تنشأ فاعلية الرواية من ازمة كتابة الرواية، او من اشكالية اننا على المستوى الجمالي بحاجة الى عمل يثبت نفسه، لا الى مجرد كتابة سردية تقريرية، يأكلها الغبار فوق الرفوف، ان حظيت بمسمى «رواية» على أية حال.. ربما لن تعجب رواية «لغط الموتى» ذائقة القارىء العادي، بل أؤكد على ذلك كما قد ينزعج القارىء الذكي من اللعب السردية او الهجين السردي في متنها، خاصة ان هذا المتن يبعث الحيرة والقلق اكثر من ان يفضي الى الفهم والاستيعاب مباشرة، حيث تدمج هذه الكتابة السردية بين الواقعي السحري والتخيلي الخرافي، وتحديدا بين سطوتي الشخوص في الواقع وهم في الوقت نفسه اموات، فلا تعود تدرك اين هي الزاوية الآمنة التي تستحق ان تقف فيها وتعلن من خلالها انك فهمت جماليات الرواية كلها، في تراكيبها اللغوية المتعددة، ودلالاتها المباشرة والعميقة، وبنائها السردي مبني ومعنى!
نجد على سبيل المثال تداخلا بين البنى السردية التي تشتغل عليها هذه الرواية، الى حد امكانية التعامل معها من خلال عدة اجناس ادبية. فهي رواية تبدو من جهة عدة رسائل يتميز فيها رسالتان طويلتان، يبعثهما البطل/ السارد الى صديقه الذي حثه على ان يكتب رواية، فيعبر له في هذه الرسائل عن الاسباب التي تحول بينه وبين ان يكتب رواية مهمة، موضحاً الفشل الذي يغدو موضوع هذه الرواية على وجه التحديد. يقول السارد/ بطل الرواية واصفا هذه التجربة: «تخيل روائي فاشل، يحاول دائما ان يكتب رواية، لكنه يفشل بامتياز، فيمزق كل اوراقه التي كتبها، ثم لماذا لا تكتب رواية، لم يجب بأنه يجرب ويفشل، انما اراد ان يكتب له رسالة مطولة يبين فيها سبب قلقه من كتابة رواية، وخوفه من الفشل، فيفاجأ انه كتب للمرة الاولى رواية ناجحة” (ص84).
فمن خلال صوت الرسالة السردية الحوارية مع الآخر الصديق الغائب، يتمكن الكاتب من توفير فرصة لتطوير الحبكة السردية ونموها في اتجاه الترابط الحواري الذي يعطي البنية السردية دينامية التصاعد في الحركة المعبرة عن ذاكرة حوارية تحمل تساؤلات كثيرة موجهة من الآخر الى السارد، وردودا كثيرة من السارد عيها، وكأننا امام محاورة صحفية، لا تخفي تأثر المحيميد بعمله الصحفي، الامر الذي جعل روايته قصيرة (80 صفحة من القطع الصغيرة، وهي لا تتجاوز الستين صفحة فعليا) ذات لوحات قصيرة لا تتجاوز عشرين لوحة، مما يجعلنا نصفها بأنها رواية قصيرة جدا أو بأنها مخطط مشروع كتابة رواية، حيث تبرز الحوارية من خلال السائل والمجيب في بداية حل اللوحات، مما يحفز على الكتابة الفاعلة، كما يتضح مما يلي، مكتفياً ببعض الافتتاحيات لبعض اللوحات:
_ “أصدقاء كثر يظنون انني لا املك ان اكتب نصا طويلا، رواية» (ص7).
_ «كثير من اصدقائي، وانت احدهم، يقعدون اسئلتهم قبل ان تشتبك معي ايديها الطويلة” (15).
_ هل ترى أيها الصديق الذي يسألني ذات مساء.. (37).
_ “كثيرون يتثاءبون عما إذا جربت إن أكتب رواية” (41).
_ “كيف سأروي لك” (ص43).
ـ “هل تعرف أن قرف كتابة رواية يأتي من شغف الشخوص في الحكي” (45).
_ ” هل ترى ياصديقي كم صعب أن تبقى في حضرة مجانين” (51).
_ “هل ترى يا صديقي؟” (53).
_ “إن كنت لا تؤمن يا صديقي بأن الممحاة وهي تنسف وتنسف وتلغي وجود الكائن، إنما كانت تحقق وجوده بطريقة أخرى” (61).
_ ” هل تتخيل يا صديقي، كم مؤلم أن لا تملك أي ممحاة” (67).
_ «كيف تلقيت رسالتي، وتبريري لعدم كتابة رواية» (ص 71).
جريدة الجزيرة -العدد11018في28/11/2002م
0 تعليق