نيويورك- صلاح عواد: مع صدور رواية «القارورة»، استطاع الكاتب السعودي يوسف المحيميد، ان يسجل حضورا في مشهد الرواية العربية الجديدة، وأن يتجاوز المحلية إلى عالم أرحب. وقد استطاع المحيميد ان يحقق بعض الطفرات الأسلوبية في روايتيه «نزهة الدلفين» وروايته الأخيرة «فخاح الرائحة»، حيث بدا ككاتب يسعى إلى تطوير أدواته اللغوية والأسلوبية على أمل الوصول إلى معمار
خاص به. ظهرت أعمال المحيميد القصصية في ثمانينات القرن الماضي، وبعد ترجمة روايته (فخاخ الرائحة) إلى اللغة الانجليزية التي صدرت طبعتها الأولى عن الجامعة الأميركية بالقاهرة وصدرت طبعتها الثانية عن دار ينغوين الشهيرة تحت عنوان «ذئاب هلال القمر»، يكون أول كاتب من السعودية ومن منطقة الخليج يشارك في مهرجان نيويورك للأدب العالمي في دورته الرابعة التي نظمتها رابطة القلم الأميركية. ويقول الروائي يوسف المحيميد في حوار مع «الشرق الأوسط» جرى في نيويورك ان هذه المشاركة عمقت لديه الاحساس بضرورة اتخاذ مهمة الكتابة بجدية وأن تبتعد عن الهواية. وأتاح له المهرجان الدولي اللقاء مع روائيين كبار مثل امبرتو ايكو وماريو فارغارس ليوسا والكاتب البريطاني ايان مكوين وغيرهم. فيما يلي نصّ الحوار :
* كيف كانت بدايتك مع القصة ثم الرواية؟
ـ كانت بدايتي مع أول مجموعة قصصية صدرت لي في عام 1989 (ظهيرة لا مشاة لها) ثم واصلت المسيرة مع القصة القصيرة ونشرت لي ثلاث مجموعات أخرى، ومن بعد صدرت لي مجموعة ملتبسة بين الشعر والقصة إلى أن ذهبت برحلة إلى بريطانيا استمرت لمدة سنة.
وخلال هذه السنة التي قضيتها هناك وما تلاها ولمدة حوالي ثلاث سنوات لم اكتب حرفا واحدا، وبعد ذلك بدأت في كتابة الرواية. واعتبر فترة السنوات الثلاث هذه فرصة للتأمل لمراجعة ما كتبته في السابق. وبالتأكيد أن العيش في بريطانيا والتعرف على الثقافة الغربية له أثر في هذا الصمت وله أثر على رؤيتي وفهمي للعمل الإبداعي وفي عام 2002 شرعت في كتابة الرواية ثم صدرت لي أربعة أعمال روائية.
* لماذا الاتجاه نحو القصة القصيرة والرواية بدلا من الشعر؟. ـ اخترت الرواية لما حققته من انجازات، خصوصا في العالم العربي، وقد أخذت بالانتشار واتسع عدد قرائها ويضاف إلى ذلك احتفال الناشرين بها. إضافة إلى هذه الأسباب يمكن القول ان عملية كتابة الرواية أتاحت لي فرصة لتأمل النص وأن لا أتعجل في كتابة نص قصير مثل القصة القصيرة لنشرها، كما كنت أفعل سابقا. والآن اشعر بمتعة وأنا ابني لمدة سنة أو سنتين شخصيات الرواية ومكان الرواية وأحداثها والطريقة التي سأستخدمها وبأي طريقة سأبدأ والمدار الذي اتخذه وأخيرا متعتي في البحث عن الجديد الذي يمكن أن أضيفه للرواية القادمة على صعيد تجربتي في الكتابة.
* ما هي أبرز المحطات التي أثرت في تجربتك الروائية؟ ـ كنت الابن الوحيد بعد سبع بنات، وربما كنت الطفل المدلل من قبل أمي وربما بسبب ذلك المناخ الذي احاطني بشيء من الرعاية والحب كنت متلهفا منذ البداية إلى القراءة. وكانت العائلة تقتني لي كتبا من مكتبة صغيرة في الرياض وكانت تبيع الكتب المستعملة واعتقد من تلك اللحظة بدأت شرارة الكتابة ولا زلت اتذكر سيرة الأمير سيف بن ذي يزن عندما قرأتها واكتشفت التخيل عندما وجدت أن الجزء الأخير من الحكاية كانت أوراقه ممزقة ويتعذر قراءته لكي استكمل النهاية بطريقتي الخاصة.
وربما كانت تلك التجربة البريئة هي البداية وبعد ذلك تنوعت قراءاتي عندما كانت تصل إلى الرياض ترجمات قديمة من بيروت لشارلز ديكنز مثل «اوليفر توست» و«بائعة الخبز» وعدد من الأعمال الكلاسيكية القديمة.
ومن بعد بدأت الأمور تأخذ بالنسبة لي مسارا آخر ورحت التفت إلى نوع من الأدب الجاد ورحت اقرأ وليم فوكنر مع المحاولة لفهم كيف كتب رواياته، وكنت اجهد ذاتي آنذاك لأني ما كنت صغيرا إزاء تجربة القراءة. ومع ذلك حاولت بقدر المستطاع فهم رواية فوكنر الشهيرة «الصخب والعنف» التي قام بترجمتها جبرا ابراهيم جبرا. وفي البداية لم استطع فهم الرواية بشكل جيد وأتذكر اني قرأت قصة قصيرة لفوكنر رائعة اسمها «وردة من أجل اميلي» وقد دفعتني إلى قراءة «الصخب والعنف» من جديد ومن ثم اخذت بقراءة جيمس جويس، خصوصا روايته «صورة الفنان في شبابه» ومن بعد روايته «يوليسس»
* لنتحدث عن تقنية صناعة الرواية لديك.. هل تشعر أنك بحاجة لمزيد من الثقافة والقراءة لتطوير البعد الدرامي داخل الرواية؟. ـ اعتقد أن العودة إلى المصادر والوثائق هو أمر ضروري أحيانا وعندما شرعت في كتابة روايتي «فخاخ الرائحة» استندت إلى كثير من الوثائق وقد بحثت لمدة سنة تقريبا عن بعض التفاصيل التي احتاجها لبناء شخصية معينة.
وقد دفعني هذا إلى البحث عن تاريخ الرق في العالم العربي وتحديدا في السودان وقد حصلت على بعض الوثائق التي لها صلة آنذاك ببيع الرقيق وعملية تهريبهم من السودان عبر البحر الأحمر من ميناء «مصوع» ومن ثم إلى جدة، وتسريبهم إلى الانحاء الأخرى من السعودية. وأعتقد أن هذه التفاصيل الصغيرة تحتاج أحيانا إلى بحث مكتبي وتحتاج أحيانا إلى شهود إذا استطاع الروائي الوصول إلى من عاش تلك المرحلة فهذا مكسب كبير. واذكر اني احتجت أيضا إلى تخيل كيف كان ميناء الملك عبد العزيز قبل 70 سنة لأن تهريب الرقيق كان يتم بحجة الحج. ودفعني هذا إلى الرجوع لمعرفة نوعية المباني في جدة آنذاك. والميناء في شكله الآن لم يكن عما كان عليه من قبل، فالسفن الكبرى كانت ترسو على مسافة من الشاطئ بسبب الشعب المرجانية ومن ثم تأتي الزوارق الصغيرة لنقل البضائع والناس والماشية إلى الميناء. واعتقد أن مثل هذه التفاصيل يحتاج الكاتب أحيانا إلى وقت لكي يشتغل عليها كي يبدو العمل حقيقيا أو مقنعا ومرضيا.
* تبدو متمايزاً عن الروائيين الشباب الذين برزوا في السعودية أخيراً، فإلى أي حد تشعر بالتفرد عما يكتب حاليا في السعودية ؟
– لا ادري مدى صحة هذا التوصيف، لكن لدي حضورا في السعودية وفي العالم العربي، والآن في الغرب وقد أكون محظوظا ربما لأني أعمل بإخلاص أكثر مما يجب وأصرف الكثير من الوقت لكي أتقن عملي وأسعى دائما إلى تطوير أدواتي وأشعر بقلق هائل جدا مع كل رواية اكتبها. وبعد أربع روايات كتبت رواية خامسة وبعدما انتهيت منها رميتها في المزبلة لأني أدركت أنها سوف لن تضيف لي أي شيء إلى تجربتي واضطررت أن أبدأ من جديد في رواية مختلفة. واعتبر هذا القلق إيجابيا وربما هو ما صنع الأصوات العربية المتفردة واعتقد اني من ضمن هذه الأصوات.
* ما هي الأسماء الروائية في العالم العربي التي تلفت انتباهك؟. ـ إذا أردنا أن نتحدث عن تجربة الروائية الآن في مصر نستطيع ان نذكر عددا من الاسماء مثل ميرال الطحاوي ومنتصر القفاش واحمد ابو خنيجر وهو صوت جميل ومنزو عن القاهرة، وهناك أيضا سعيد مكاوي. وايضا في كل أنحاء العالم العربي يمكنك أن تجد اصواتا متفردة مثل خالد خليفة في سورية وايمان يوسف حميدان في لبنان وغيرها من الأسماء التي تبدو جديدة وغير معروفة جدا في العالم العربي.
* من المظاهر اللافتة في المشهد الروائي في السعودية بروز كتابات تلجأ إلى الإثارة وإلى نوع من الفضائحية وفي ذهني مثلا رواية (بنات الرياض) فهل يمكن لهذا النوع من الكتابة أن ينتج رواية مختلفة، أم هي كتابة مرحلية تنتهي مع المرحلة التي انتجتها؟
ـ اشعر بالقلق تجاه هذه التجارب وهو قلق كبير مما يمكن أن تؤول إليه في النهاية التجربة السردية في السعودية لأن التجربة القصصية في الثمانينات كانت متميزة جدا، ولكنها للأسف لم يكتب لها الانتشار على مستوى العالم العربي. والكثير من أعمال تلك الفترة كانت تنشر داخل السعودية، لذلك لم تنتشر في العالم العربي. والآن ما يحدث أن الكثير من الأسماء تكتب الرواية وفي ذهنها مثلا رواية «بنات الرياض» على اعتبارها العمل الأسهل وصولا إلى القارئ وإلى الإعلام وإلى الشهرة. واعتقد أن هذا الحلم الذي اسميه بالحلم المريض من أجل الشهرة قد يدمر الكثير من المواهب.
* كيف تصف المشهد الأدبي الآن في السعودية ؟
ـ اعتقد أننا نملك كل شيء في السعودية ولدينا الكثير من المواهب في الكتابة ولدينا عدد كبير من الأسماء التي تحاول وتجتهد ولدينا عدد هائل من القراء ولدينا مستوى تقني وتكنولوجي رائع جدا. لكن للأسف ينقصنا أمر مهم جدا وهو التحرر من الرقابة السابقة على نشر الرواية سوف تتحول الرياض ربما إلى مدينة تشبه بيروت أو تتفوق عليها. في هذه اللحظة عندما يجد الناشر في السعودية أنه في حل من الرقابة وأنه هو من يتحمل المسؤولية ستجد الكثير من الأعمال المتميزة ستحقق الانتشار في الداخل وبالتالي ستحقق انتشارا في الخارج على مستوى العالم العربي. وبالتأكيد سينمو عدد الناشرين وبالتالي سوف تتحول صناعة الكتاب في السعودية إلى نموذج مختلف تماما.
* كنتَ أول كاتب من السعودية يشارك في مهرجان نيويورك الدولي للأدب الذي تنظمه الرابطة القلمية في أميركا. فكيف تنظر إلى هذه التجربة وأنت تلتقي بجمهور مختلف وبعدد من الكتاب المعروفين في العالم؟
ـ حضرتُ مهرجان نيويورك وشاركتُ في ست فعاليات. أربع منها في نيويورك واثنان منها في بوسطن. وفي نيويورك شاركت في عدد من الموضوعات المهمة جدا مثل موضوع الحياة السرية للمدن، وتحدثت عن الحياة السرية لمدينة الرياض. وفي جلسة أخرى كانت مع الكاتب البريطاني أيان مكوين وتحدثنا عن الأدب الأميركي كما يرى من الخارج وكان حضور الجمهور في هذه الندوة هائلا جدا.
وشاركت في ندوة عن حقوق المرأة في السعودية وندوة أخرى في مكتبة نيويورك العامة عن الكتب التي غيرت حياتي. وبدا لي أن مشاركة عدد كبير من الجمهور في الحضور لقاء دفع مبلغ من المال هو أمر جديد تماما بالنسبة لي لما تعودت عليه في العالم العربي.
وكانت كل هذه الجلسات تنتهي بحفل توقيع الكتب. واشعر ان المشاركة في هذا المهرجان قد أعطتني دفعة كبيرة، كما اعتقد أن هذه التجربة من الممكن أن تضيف لي الشيء الكثير، خصوصا إتاحة الفرصة للقاء أسماء كبيرة في عالم الأدب مثل الكاتب الإيطالي امبرتو ايكو وآخرين. كان اللقاء مع هذه الشخصيات والحوار معها مكسبا كبيرا لي. ووجدت مسألة تعامل هؤلاء الكتاب مع وسائل الإعلام قد اضافت لي خبرة جديدة. وشعرت بشيء من الفرح بالحوار معهم حول اعمالهم التي ترجمت إلى اللغة العربية وفوجئت مثلا ان امبرتو ايكو يعرف ان هناك ترجمتين لروايته الشهيرة «الوردة» باللغة العربية وقال لي ان الترجمة الأولى التي صدرت في تونس هي الأهم وهي المتميزة.
0 تعليق