كثير من الدول والمنظمات والهيئات رفضت الحرب. فرنسا قالت لا! روسيا قالت لا! المانيا قالت لا! الفاتيكان والبابا ومجلس الأمن والجامعة العربية والقمة الإسلامية وأمي ونخل البصرة والخيول التي تجرّ العربات والفتيات والشط والبط المهاجر كلها قالت لا للحرب!
تمثال السياب الذي يدير ظهره لشط العرب قال لا!
دم محمود البريكان الذي لم يجفّ بعد، وسعدي يوسف والزبير وطلحة وحسن البصري والأسواق المتنقلة والنوتي المسنّ وباعة كورنيش البصرة والعشاق يصطحبون حبيباتهم هناك والزنج الموتى منذ مئات السنين، كلهم قالوا لا! لكن أمريكا وحدها قالت نعم! قالت نعم وهزّت برأسها، فهزّ ظلها البريطاني رأسه أيضاً!
في سنة دراستي في بريطانيا، كان الإنجليز يسخرون من توني بلير، وهم يلقبونه الأبله! وكم كان مذهلا ومبكياً ومضحكاً وهو يدّعى أمام مجلس العموم البريطاني أن الإستخبارات البريطانية قد تأكدت من وجود أسلحة دمار شامل في العراق، قبل أن يتبين أن ذلك الجهد الإستخباراتي العظيم، جاء بمجرد الرجوع إلى بحث طالب جامعي!
كم كان مضحكاً أن يعقد مجلس الأمن جلسته الأخيرة بلا إكتراث أمريكا وبريطانيا، وذلك بغيابهما معاً، وهما يسجلان أعلى درجات السخرية، إذ يضربان بشرعيته وشرعية قراراته الدولية عرض حائط البتاجون! كم كان مجلس الأمن يغرغر في أنفاسه الأخيرة وهو لا يملك أن يفعل شيئاً سوى المطالبة إلى العودة إلى الشرعية الدولية! وكم هو مشجع في زمن الضياع العربي والإنساني أن تهدد فرنسا أو روسيا باستخدام حق النقض! رغم أن المقاتل الأمريكي يزيّت طائرته المقاتلة في إحدى القواعد الأمريكية، استعداداً للتحليق فوق بلاد الرافدين!
رغم أننا نفرح بسذاجة أن يتعاطف العالم مع قضايانا العادلة، إلا أن العالم لا يكلف نفسه بعض الصبر حتى نستنفذ فرحتنا، وليس أكبر دليلا على ذلك من أن تتبرع المانيا باستعدادها أن تشارك في إعادة تأهيل العراق، وإعادة تنظيمه! أي بمعنى آخر الإستعداد بالدخول شريكاً في كعكة العراق السوداء! هل كل من قال لا للحرب في هذا العالم كان يبحث عن نصيبه في الكعكة؟ هل كل من قال لا لم يجد العرض والمكسب المناسب؟ هل تبادر المانيا وفرنسا مثلا بإعادة إعمار العراق، والحصول على مستحقاتها من نفط العراق؟ وتتغاضى بالتالي عمن يمكن محاكمته كمجرم حرب!! هل باعة كورنيش البصرة أيضاً قالوا لا لأنهم لم يضمنوا بيعاً مزدهراً للجنود الأمريكيين؟ هل العشاق أيضاً قالوا لا قبل أن يجدواً ملاذاً آمناً ومناسباً لحبيباتهم؟ هل قال السياب لا لسبب في نفس بدر؟
————————–
مقال لم ينشر- كتب في 25 آذار 2003م.
0 تعليق