يوسف المحيميد: أحب أن أصنع شركا لذيذا أمام القارئ وأصرخ هاأنذا أوقعته في الفخ! أجرى الحوار: عدنان فرزات استطاع الروائي والقاص السعودي يوسف المحيميد أن يكسر جدار محليته عبر أسلوبيته الخاصة في تناول الأحداث التي يطرحها في أعماله، وهو يتجنب في طرحه أن يكتب بيانا سياسيا أو اجتماعيا، أو موعظة تقليدية، ذلك انه يمتلك الجرأة الكافية كي لا يدور حول
الفكرة، بل ينبثق بقلمه الحيوي من منتصفها، في الآونة الأخيرة حظيت أعماله بالمزيد من الاهتمام العالمي، حيث ترجمت إلى أكثر من لغة، وفي هذا الحوار يزيح الروائي يوسف المحيميد ستائر العتمة عن أفكاره غير آبه بالشمس التي تدفقت بغتة إلى العالم الثالث الغارق في الظلام، وفي حواري معه يفصح المحيميد عن أمر مهم إذ يقول: ‘إنني ابتهج حين يقع القارئ في الفخ’ أي فخ ترى يريده المحيميد، وماذا يقول أيضا في هذا الحوار؟ * في السنوات العشر الأخيرة تلمسنا حراكا روائيا واسعا في الخليج، على الرغم من أن فن القصص ليس هو ديوان العرب، ما أسباب هذا التوجه للتعبير عن طريق الرواية؟ – أظن أن الرواية وليدة أي عصر يحتضن حراكا اجتماعيا واسعا، وهو ما تعيشه معظم دول الخليج العربي، فالرواية كوسيلة تعبير أكثر قدرة من الشعر في القول والكشف، وتعدد احتمالات البناء فيها، والأساليب المستخدمة، وقدرتها على الاستفادة من معظم الفنون والأجناس الأخرى، من شعر ومسرح وحوار وتاريخ وتوثيق وموسيقى وفنون متنوعة، هو ما يجعلها اقرب إلى كونها ديوان العرب الجديد، أظن أن الحراك والصراعات بين التيارات ومراكز القوى في دول الخليج، وحرية الرأي المتاحة في الانترنت، وبالتالي انفتاح الصحافة إلى حد معقول، هو ما جعل الرواية الأكثر قدرة على التعبير عن هذا الحراك. عبدالرحمن منيف * هل يمكن أن تعتبر عبدالرحمن منيف ظاهرة قد لا تتكرر في الرواية الخليجية، أم انه كاتب له ظروف خاصة ساهمت في نجاحه كأن يكون كاتبا جريئا ظهر في زمن كانت فيه الكلمة محظورة أكثر من الآن؟ – لا أظن ذلك، فرحلة منيف وجيل الخمسينات والستينات من الروائيين العرب لن يتكرر، بل مطلوب ألا يتكرر، تماما كما هو الحال في العالم اجمع، فليست تجربة امبرتو ايكو هي تجربة كالفينو، وليس لهما علاقة لا من قريب ولا من بعيد بتجربة امبرتو مورافيا، هذا في ايطاليا، وقس على ذلك في كل دول العالم، حتى في العالم العربي، تجد أن تجربة علاء الأسواني في مصر ليست تجربة محفوظ، وليست تجربة علوية صبح هي تجربة إلياس خوري في لبنان.. وهكذا. لذلك أرى أن تجربة عبدالرحمن منيف لن تتكرر في الرواية الخليجية الجديدة، لاختلاف الظروف الاجتماعية والسياسية السائدة من جهة، ولتبدل في نظرية التلقي من جهة أخرى. فلم يعد قارئ الألفية الجديدة هو قارئ النصف الثاني من القرن الماضي. بيان.. ومنشور سياسي * أنت تمزج السياسي والاجتماعي في انصهار ذكي هل هذا مقصود لإخفاء السياسي وراء الاجتماعي أم انه أسلوب كتابي فقط؟ – لدي قلق من أن تتحول كتابتي إلى أي نوع من أنواع خطابات العلوم الاجتماعية المختلفة، فلا أريد أن تتحول الرواية لدي إلى بيان أو منشور سياسي أو حتى اجتماعي، أراهن كثيرا على الفن الروائي فحسب، ذلك الذي يتشكل من شخوص ومكان وبناء مختلف، ومفاجئ أحيانا، أحب أن تحفل الكتابة بلعبة حكائية ما، أحب ذكاء جوستاين غاردر في رواياته، ‘عالم صوفي’ أو ‘فتاة البرتقال’، أحب مثلا أن اصنع شركا لذيذا أمام القارئ، واصرخ وأنا وراء السطور التي تلهث عيناه خلفها: الله.. هأنذا أوقعته في الفخ! ها هو يتشرنق في الشرك! أحيانا أحس أن الروائي العربي أصبح جزءا من العالم، متاح له من الفن والتقنيات والإبداع الجديد ما هو متاح لروائي في فرنسا أو أميركا اللاتينية أو اليابان. أدرك أن الواقع السياسي والاجتماعي مختلف في كل من هذه الدول، والعالم العربي، لكن الإنسان هو ذاته، يملك أن يصنع من أي واقع يعيش فيه عالمه الشخصي الحميم، فليس أكبر مثال على ذلك من عبقرية دوستويفسكي الذي أنتج روائعه في زمن القبضة الستالينية الشرسة. * القصة التي تحمل المجموعة عنوانها ‘أخي يفتش عن رامبو’ لها نمط سياسي واضح وجريء، وهي موجودة في معارض الكتب، ومع ذلك أراك تتحدث أحيانا في حواراتك عن القمع وتكميم الإبداع ثم إن روايتك ‘القارورة’ سمح بها ثم سحبت بعد ذلك، أليس مجرد السماح بها مبدئيا هي رغبة في الانفتاح بغض النظر عن الضغوطات التي تعترض هذه الرغبة؟ – وهل هذا بربك طموح أي كاتب من كتاب دول العالم الثالث؟ هل تنتظر أن تجمع رواياتي ومجموعاتي القصصية في شاحنة وتحرق في مكان ناء خارج الرياض؟ أدرك أن ذلك تطور جيد قياسا بما كان الوضع عليه قبل عشر سنوات، ولكن ألا ترى أن هجرة الإبداع إلى الخارج للطباعة والنشر هي مأزق بحد ذاته؟ ألا ترى أن نظام الرقابة المسبقة على الكتاب، ونظام ‘الدمغة’ على كل ورقة، هو نظام قديم ومتخلف في زمن ثورة المعلومات والإنترنت والاتصال الفضائي؟ أظن أن علينا تجاوز هذا النظام، ومنح الناشر كل صلاحيات ومسؤوليات النشر، ومن ثم محاسبته عند الإخلال بالمسؤولية! من سحب الكتاب مثلا أو ما شابه، رغم أن ذلك أيضا ضد حرية الرأي والتعبير. ما أريد قوله هو انه كان يجب أن نصل إلى الرقابة اللاحقة على النشر، إن كان ذلك ضروريا، لأن ذلك سيكفل حرية النشر، وتطور صناعة الكتاب. دعني أعطك مثالا آخر، الصحافة مثلا كانت تخضع إلى رقابة ما قبل النشر، حتى ألغى هذا النظام الملك فيصل، رحمه الله، ومن ثم تقدمت الصحافة خطوة واسعة إلى الأمام، ثم عاشت خطوتها الجديدة قبل سنوات، وهي أيضا قادرة على المزيد من التقدم كلما زاد الهامش المسموح، وتقبل الرأي الآخر، هكذا سيحدث للنشر وصناعة الكتاب لو تم تحريره من الرقابة المسبقة على النشر. اتخاذ القرار * التجربة الديموقراطية في العالم العربي حتى الآن لم تنجح، فهي دائما تترك آثارها إما على شكل شجارات في البرلمانات أو دماء في الشوارع.. فأي ديموقراطية ينشدها جيلك؟ – في العالم المتقدم، أوروبا على وجه التحديد، لم تأت الديموقراطية بجرة قلم، ورغبة خجولة ومترددة، لأن نقول أننا نعيش زمن ديموقراطية، بينما منازلنا ومدارسنا ومكاتب عملنا تعج بالقمع والرأي الواحد والتلقين والأوامر! الديموقراطية يا سيدي لا تأتي عبثا، لن تأتي بعد قرون من التخلف والقمع والاستبداد، ما لم يصحب ذلك تغير جذري في كل أوجه الحياة، بدءا من نظام الأسرة وتربية الطفل على المسؤولية واتخاذ القرار والإنصات له واحترام قراره، وانتهاء بالأنظمة السياسية العربية. أظن أن جيلي، ولست متحدثا مفوضا عن احد، ينشد حقوق احترام الإنسان وحرية تفكيره وضمان حرية تعبيره، بدءا من القول وحتى الكتابة بالشكل الذي يعبر عن وعيه ورؤيته. * أعمالك ترجمت إلى لغات أخرى هل تعتقد أن الأبواب العالمية مفتوحة أمام الرواية العربية.. وهل سيتقبلنا القارئ الغربي إبداعيا بعد أن أصبح حذرا منا سياسيا؟ – يا عزيزي أحس أنني شعرت باحترامي منذ وقعت أول عقد لنشر روايتي ‘فخاخ الرائحة’ بالانكليزية، ومن ثم الفرنسية، فليس حقي هو المحفوظ هنا، بل حقي ككاتب، وحق وكيلي الأدبي، وحتى حق المصور الفوتوغرافي الذي التقط صورتي الشخصية! وقس على ذلك كل الخطوات الرائعة، من مقدم عقد وحقوق اللغات الأخرى وعدد النسخ وغيرها. وفي المقابل لك أن تتخيل ما يحدث في العالم العربي، لا حقوق تحصل عليها من الناشرين، ليس بالضرورة حقوق مالية فحسب، بل حتى الحق المعنوي واحترام الكاتب مفقود إلى درجة مريعة، الأمر الذي خلط الحابل بالنابل، الكاتب المحترق الجيد بالوراقين! ولا اهتمام بالكتاب ومقترحات تسويقه بما ينفع الناشر نفسه أولا قبل الكاتب! كل هذه مفقودة عربيا، في المقابل هناك اشتغال حقيقي على تسويق الكتاب باللغات الأجنبية، على سبيل المثال أقيمت احتفالات في الجامعة الأميركية في القاهرة قبل أسبوعين، وتمت دعوتي والزميل فاضل العزاوي، حيث صدرت روايتان من هناك، وتمت دعوة الصحافة والميديا والقراء للحفل، هذا أسلوب من أساليب التسويق المطروحة في الغرب، والمعدومة تماما على مستوى النشر العربي. أكاد اجزم أن الزمن القادم سيكون زمن الرواية العربية في العالم، حتى وان كانت الخطوات بطيئة شيئا ما، فان ثمة مؤشرات، فلهفة القارئ الفرنسي مثلا على رواية ‘عمارة يعقوبيان’ وبيع 160 ألف نسخة مؤشر جيد، أدرك طبعا أن المبيعات ليست المقياس الحقيقي لجودة العمل أو الكتاب من عدمه، لكنها على الأقل احد ابرز المقاييس. النمنمة اللذيذة * القلم الذي يمسكه الآن يوسف المحيميد في هذه اللحظة لأي عمل جديد يستعد.. وما ملامح هذا العمل هل هو قصة أم رواية؟ – لدي رواية جديدة، أنجزتها تقريبا، وحاليا دخلت في عمل روائي آخر جديد، لكنني لست متعجلا على النشر، فلا أظن انه سيصدر لي عمل جديد قبل العام القادم 2008، لأنني استمتع حاليا بالكتابة والبحث والنسج والنمنمة اللذيذة، فأحاول أن أعيش المتعة أطول وقت ممكن! أشتغل حاليا على إعادة موقعي الالكتروني بشكل جيد، بعد أن تعرض إلى عطل، جعلني أحاول تقديمه بطريقة أكثر شمولا، وبلغات ثلاث، كما أنتظر صدور الطبعة الثانية من رواية ‘فخاخ الرائحة’ من دار ‘بنغوين’ في أميركا، وهذا يتطلب مني التواصل المستمر مع الوكيل والمترجم والمحرر في الدار نفسها. جريدة القبس الكويتية- 18/6/2007
0 تعليق