يوسف المحيميد روائي مختلف .. لأن هاجسه الرواية المختلفة حوار: سناء زعير تجاوز المألوف في أعماله الروائية والقصصية، فاستحوذ على اهتمام النقاد والقراء، تعرض للكثير من النقد بعد نشره لرواية (القارورة) الصادرة عام 2004م، وقد التقيت به في الكويت على هامش الندوة الإعلامية التي أقامتها (مجلة العربي)، وكان لي معه الحوار التالي: * هل تلجأ إلى واقع ما، عندما
تكتب، أقصد هل تعيين الزمان والمكان مهم عندك؟! – في بداياتي القصصية كنت أعتمد إلى حد بعيد على ذاكرة الطفولة فألجأ إلى زمن ليس بعيداً إلى حد ما وأتكئ بدرجة كبيرة إلى خبرة حياتية عشتها أساساً، هذه المسألة أصبحت من التحول بمكان مع تجربتي الروائية بحيث صرت أعتمد أيضاً على قراءاتي وصرت أحاول أن أوسع معرفتي في بعض الأعمال الروائية قد أتناول زمناً لم أعشه وإنما أدخل إليه عبر القراءات، عبر المخيلة لأنني أشعر بيقين كبير أنني عبر المخيلة يمكن أن أنجز عملاً ما وهذا ما حدث في رواية “فخاخ الرائحة” عندما تناولت مثلاً عدة بيئات من بينها بيئة السودان والغابات وأيام الرق التي لم أعشها، إضافة إلى أنني لم أزر السودان يوماً، لكنني اعتمدت على حوارات شفاهية استطعت أن آخذها من أناس أعرفهم في الرياض، أصولهم من السودان، هذه المعلومات المعرفية التي أعرفها عبر المشافهة وعبر قراءة المعلومات، صنعت منها عملاً مهماً على مستوى الوطن. *ما هو برأيك سر نجاح روايتك / القارورة/؟ – ليس هناك نجاح مطلق، هذا النجاح بتصوري يبقى نسبياً، هناك رواية تنجح على مستوى قُراءة، وهذا ما حصل معي في رواية /القارورة/ وهناك رواية تنجح على مستوى النقد وتحظى بعشرات الدراسات النقدية. * ما السبب برأيك في تباين أوجه هذا النجاح؟ – ربما كانت الرواية تتكئ على استلهام تراث معين، أو حادثة تاريخية، استثمار اللغة بطاقاتها بشكل كبير، محاولة صناعة رواية عبر مضمار روائي جديد أو مختلف، كل هذه علامات محرضة للنقد. * الرواية التي استحوذت على اهتمام النقاد والقراء معاً؟ – بالنسبة لي روايتي ( فخاخ الرائحة ). *و ( القارورة )؟ حظيت بحضور كبير جداً على مستوى المبيعات، أو على مستوى الدراسات النقدية، فأكثر من ثلاثين دراسة نقدية كتبت حول كل رواية، هناك أيضاً نجاح آخر، وهو برأيي في هذا الزمن نجاح مهم جداً، وهو النجاح على مستوى الترجمة أي الوصول إلى الآخر، فرواية ـ فخاخ الرائحة ـ ترجمت إلى الإنكليزية، ترجمها المستعرب البريطاني “طوني كال بردان” وسوف تصدر في عام 2006 ورواية القارورة ترجمت إلى اللغة الروسية وهي بالمناسبة سوف تكون أول رواية سعودية تترجم إلى الروسية. *رواية “لغط موتى” خلقت إشكالية عندما تبناها اتحاد الكتاب العرب في سورية لطباعتها، فما الحكاية؟ -لغط موتى/ كانت رواية صغيرة في حدود خمس وثمانين صفحة كان الدكتور عبد الله أبو هيف في زيارة إلى السعودية أثناء مهرجان الجنادرية، وأثناء حديث دار بيني وبينه، سألني هل لديك عمل جديد ترغب في طباعته في وسورية، فقلت لـه عندي مجموعة قصصية ورواية، فأخذ المخطوطتين دون أن نتفق أين سينشرها ـ بعد فترة تهاتفنا فقلت لـه أثناء الحديث إنني أحب ثلاث دور للنشر في سورية هي (الأهالي ـ والمدى ـ وحوار)، خلال هذه الفترة غبت لمدة سنتين في بريطانيا وحسب حديث الدكتور عبد الله أو هيف، أن الاتحاد حاول الاتصال بي على هاتفي، ولم يجدني، فما حدث أن شروط اتحاد الكتاب العرب تنص على أن لا يقل حجم الكتاب عن مائة صفحة، فحينما تم صف الرواية وجاءت في حدود السبعين صفحة، يبدو أنهم اضطروا أن يدمجوا معها المجموعة القصصية، فصدرت الرواية والمجموعة القصصية في كتاب واحد، فكان من الطبيعي أن ينتابني الإحساس بأنهم قتلوا عملين معاً لكن لحسن الحظ أن رواية “لغط موتى” تبناها بشكل كبير الشاعر العراقي (خالد المعالي) وطبعت في دار الجمل في ألمانيا ـ أما المجموعة القصصية وكان عنوانها ـ النوافذ تعوي تباعاً ـ فقد ماتت إلى الأبد ـ لقد أزعجني التصرف الذي اعتبره غير مسؤول. *بالرغم أنك ما زلت في مقتبل العمر ـ لكن حين تلتفت إلى طفولتك، أسرتك بلدتك، ما الذي تستعيده الآن؟ – أنا أساساً من مواليد حي قديم في مدينة الرياض اسمه الشميسي ـ وهو بالمناسبة عنوان الرواية الثانية للكاتب تركي الحمد، أذكر أنني تلهفت لقراءة هذه الرواية بحكم العنوان لكنني خذلت عندما قرأتها لأنني لم أجد الحي الذي أعرفه. في طفولتي المبكرة كنت أعيش في حي “عليشة” هو حديث إلى حد ما، طفولتي بسيطة “الكتاب بالنسبة لنا يعتبر شيئاً نادراً، فكنا نشتري الكتب المستعملة، ندخر أحياناً بعض النقود، أنا وأختي المهووسة بقراءة الكتب، كنا نشتري الكتاب، وبعد الانتهاء منه تأخذه أختي إلى المدرسة وتقايضه بكتاب آخر “لنقرأه” أنا ابن لأب وأم أميين، لكنهما منفتحين بشكل جيد، يدركان على الأقل أهمية القراءة والتعليم، هذه البيئة البسيطة جداً، هي التي أوجدت عندي الرغبة في الكتابة، أما بادرة الكتابة فكانت عندما قرأت كتاباً بعنوان /سيرة الأمير سيف بن ذي يزن/ كانت الصفحات الأخيرة من الكتاب ممزقة فتولد لدي هوس بكيفية السير بهذا البطل إلى النهاية. *وكيف وظفت هذه الأشياء في عالم الرواية أو عالم القصة؟ – أشياء الطفولة كانت ظاهرة بجلاء في مجموعتي القصصيتين الأوليتين “ظهيرة لا مشاة لها” و “رجفة أثوابهم البيض” حاولت كثيراً أن أستلهم الطفولة فيهما، لكنني لم أكتب سيرة الطفولة طبعاً بل وظفت طفولتي كفضاءات وعوالم وأحداث بسيطة في مجموعتي (ظهيرة لا مشاة لها) و(رجفة أثوابهم البيض). أما بالنسبة للرواية ففي البدء كان لدي قلق كيف أكتب رواية فأنا لا أريد أن أبدأ كما تبدأ الرواية التقليدية كان لدي هاجس أن أكتب رواية مختلفة فكتبت رواية /لغط موتى/ التي كان موضوعها أساساً هاجس شخص يحاول أن يكتب رواية “وكان كلما كتب عن شخصية وجد أنها تهاجمه بأسئلة لماذا ذكرت هذه الحادثة؟ ولم تذكر تلك؟ وكلما كتب عن شخصية أموات أجداث كبار في السن في المساء يجد أنهم يجلسون على الطاولة كأنما عادوا من القبول، ويحاكمونه لماذا سرقت هذه الفضيحة أو تلك ومن هنا جاء العنوان /لغط الموتى/ فكان الموتى حاضرين يعارضون الكتاب لماذا تكتب رواية عنا؟ في نهاية الرواية وأمام محاولة تبرير الكتاب أنني لا أستطيع أن أكتب رواية أمام هؤلاء الموتى المزعجين يكتشف أنه كتب رواية. *هل تعتقد أن أعمالك قد حظيت بقراءة نقدية جيدة؟ – نعم في السعودية على الأقل أعتبر نفسي الكاتب المحظوظ في القراءات النقدية لا أكون مبالياً إن قلت لا يمكن أن يمر أسبوع في الصحافة هناك أو في العالم العربي إلا وأقرأ دراسة نقدية عن أحد أعمالي الروائية أو القصصية مثلاً ـ فخاخ الرائحة ـ والقارورة كما ذكرت سابقاً، كتب عنها أكثر من ثلاثين دراسة نقدية بالرغم من أن المجموعات القصصية عادة لا تحظى بالدراسات النقدية ولكن حتى الآن حظيت مجموعتي الأخيرة (أخي يفتش عن رامبو) وهي مجموعة قصصية حظيت بأكثر من عشر دراسات نقدية، لا أعرف ما السبب تماماً، ولكن ربما بسبب التباين، وربما لأن الحكايات عندي تتناسل من بعضها، لا أريد أن أقول إنني أتكئ على حكايات ألف ليلة وليلة وكيف تناسلت من بعضها، ولكن هي هكذا في كل عمل روائي لدي أشخاص متعددون أبطال متعددون تلتقي مصائرهم عادة بنقاط محدودة أما في المجموعات القصصية ففي كل قصة هناك عالم، ففي المجموعة القصصية الأخيرة التي صدرت عام 2005 (أخي يفتش عن رامبو) إلى الآن تلقيت عرضين من مؤسستين إنتاجيتين لإنتاج قصتين منها كأفلام فهذه اللعبة، لعبة كيف تصنع حكاية، وتستطيع أن تحافظ على أدواتك الفنية والجمالية، فكثير من الأعمال العربية في القصة القصيرة والرواية تقع في أحد فخين إما أن تكرس الجمال والفن وتهمل بذرة العمل وهي الحكاية أو أن تقدم حكاية سطحية باهتة دون أن تقدم الجماليات، أنا حاولت أن أوازن بين الجماليات والبذرة. * ما هي الأوقات التي تكتب فيها، ولمن تكتب أساساً؟ – ليس من وقت محدد للكتابة وأفضل الوقت المبكر صباحاً فقط العمل الوحيد /لغط موتى/ كنت أكتبه عند المساء وأتواصل معه حتى الصباح، ولكن على العموم، أشعر أن الصباح يحقق لي الصفاء الذهني، إضافة إلى الهدوء الذي لا يتحقق إلا في هكذا وقت جميع المنغصات وعوامل التشويش مؤجلة، حتى في أوقات الإجازة، فالاستيقاظ الباكر عندي أمر متأصل لدي منذ الطفولة، وليس مرتبطاً بالكتابة أصحو وأنهض بسرعة، شيء ما يدفعني لذلك، كأنني أريد الاطمئنان على الشمس ـ هذه الأوقات بتصوري لا تعوض، فانبثاق الفجر هو أجمل لحظات اليوم. * ما هي القوانين التي تجاوزتها في كتاباتك؟ – إذا ما أردنا التحدث عن المسكوت عنه، الذي لا يحاول أحد أن يلامسه فأنا لا أعنى بقوانينه، ففي رواية (فخاخ الرائحة) لم أكترث نهائياً بأي قانون، كنت أكتب بمنتهى الطلاقة وحتى على مستوى المفردة، فأنا أضعها كما هي /سواء كانت مقدسة أو مخفية بالنسبة للبعض فأنا أضعها كما هي، وقد يتلفظ البطل بكلمة سوقية مثلاً فلا ألطفها بل أضعها كما هي كذلك لتعطي صورة حقيقية للشخصية، ولتخدم النص. * ألم يعرضك ذلك لضغوطات من نوع خاص مثلاً؟ – بالتأكيد، في روايتي الأخيرة (القارورة) الصادرة عام 2004 تعرضت لصدام كان مع المجتمع بالدرجة الأولى هناك شيء هام، إذا كانت السلطة السياسية في البلدان العربية هي سلطة ضاغطة، وبالتالي مؤثرة ومقلقة للكاتب فأنا أتصور أيضاً أن السلطة الاجتماعية التي تحاول أن تتلبث الدين وتحاول أن تفرض على الفن والإبداع عموماً شروطاً لا معقولة، وليس لها علاقة لا بالفن ولا بالإبداع فهذه التيارات هاجمتني كثيراً من خلال مواقعها على الإنترنت، وخلال منتدياتها أيضاً. أشعر أن روايتي (القارورة) مغضوب عليها، لقد قوبلت بسخط شديد، حتى من قبل المثقفين والمثقفات في السعودية، لأن البطلة فيها امرأة وتتعرض إلى خديعة، فهناك جهل حقيقي، كأن المرأة المثقفة لا يمكن أن تخدع، بالرغم من أنني قدمتها كما هي، كإنسانة تحب شخصاً وتكتشف أنه دخل إليها باسم مزيف وبوظيفة مزيفة والمضحك أن هناك من قال لي أن هذه الأحداث لا منطقية وغير حقيقية وأنك تتحدث عن شيء خارج المجتمع، حينما أنجزت الرواية وكانت تتحدث عن شخصية امرأة مثقفة تتعرض إلى خديعة من شخص بسيط جداً، لكنه يمتلك المقدرة على التلون، بالصدفة نشرت وقتها جريدة عكاظ حادثة مشابهة للحادثة التي كانت صلب رواية (القارورة) بل أسوأ منها بكثير ومع ذلك جاء من يهاجمني. * من هو مثلك الأهم في كتابة الرواية والقصة؟ – لا أحب أن أتحدث عن مثل أعلى، المسألة هي مسألة قراءات، ولا أريد أيضاً أن أقول إن تجربة هذا الكاتب جيدة والآخر سيئة مثلاً (ياسين الأعرج) لديه رواية جداً جميلة بعنوان (سيدة المقام) في سوريا، بعض أعمال (نبيل سليمان) كذلك تجربة (خليل صويلح) تجربة مهمة وتقريباً مجمل أعمال الكاتبة اللبنانية (هدى بركات) وإن كان عملها الأخير لم أحبه كثيراً وهو بعنوان (سيدي وحبيبي) لكن قبلها (أهل الهوى) كانت رواية مهمة، طبعاً قرأت في أزمنة متفاوتة للكاتب المصري (جمال الغيطاني) وبعض أعمال نجيب محفوظ قديماً ومن الأسماء الجديدة اللافتة تجربة (ميرال الطحاوي). * ما رأيك بأعمال أحلام مستغانمي؟ – بعيداً عن كل ما قيل، وعن كل الضوضاء أقول رأيي بتجرد، أنا لا أحب تجربتها، فمثلاً ذاكرة الجسد كانت بداية جميلة، فيما بعد فوضى الحواس كانت أقل مستوى، أما العمل الأخير (عابر سرير) حين قرأته لمست التراجع، ففي هذا العمل حينما تتحدث عن جزئية صغيرة هي جداً كبيرة ولم تلتفت إليها بسبب اللهاث خلف القارئ حسب ما أتصور، وهي لحظة إغلاق البطل للباب خوفاً من التيارات المتشددة التي تحاول أن تقتلع الباب، هذه اللحظة، تمثل زمناً قاتلاً جداً يفترض أن تبدأ الرواية وتنتهي في هذه اللحظة، فلو كانت مستغانمي تمتلك حساسية الفنان الحقيقي لاشتغلت على هذا الباب الذي جاء من شجرة، هذا الباب الذي يقف الآن بيني وبين هؤلاء الذين يحاولون أن يقتلوني لصنعت عملاً جميلاً، لكنها عادت من جديد لتبحث عن القارئ من خلال عنوانها (عابر سرير). * ما هو مشروعك القادم؟ – لدي رواية جديدة اسمها (نزهة الدلفين) ستصدر عن دار رياض الريس بعد أسبوعين.
مجلة الموقف الأدبي – مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق – العددان 423 تموز 2006
0 تعليق