الروائي يوسف المحيميد بعد القارورة: تحطم وهم استحالة وجود رواية في مجتمع محافظ!
أغلب الظن أن رواية \’القارورة\’ آخر أعمال الروائي يوسف المحيميد سيؤرخ بها لبداية تيار جديد خرج من مرحلة التململ والضجر
والضيق إلي الجسارة ومعانقة أشواق الناس في التنفس بحرية! لم تكن رواية المحيميد مفاجأة من زاوية الجسارة فحسب، بل عن زاوية السرد وتعدد الأصوات واللغة والغوص عميقا في الدواخل، فقد استفاد المحيميد أساسا من تجربته منذ لفت إليه الأنظار بمجموعته القصصية الثانية \’رجفة أثوابهم البيض\’ الصادرة في القاهرة عام .1993 في القارورة نحن أمام المجتمع الحقيقي والبشر الحقيقيين المسكوت عنهم والمقموعين.. نحن نري حرب الخليج والتجار والنساء، نحن نري الكذب والتشوه والخديعة والهزيمة والعري. قارورة المحيميد تغيب داخلها كل أوراق زماننا، ويخرجها الروائي أمام عيوننا ورقة ورقة، بتؤدة وأناة، بقسوة الغاضب الناظر أمامه سخط!
محمود الورداني الانجاز الذي حققه المحيميد ابن تجربته التي امتدت منذ مجموعته الأولي \\\’ظهيرة لا مشاة لهم\\\’ 1989، \\\’رجفة أثوابهم البيض\\\’ 1993، \\\’لابد أن أحدا حرك الكراسة\\\’ 1996، \\\’لغط موتي\\\’ 2000، \\\’فحاح الرائحة\\\’ 2003، و\\\’النخيل والقرميد\\\’ .2004
* يبدو كأن هناك رياحا جديدة بدأت تهب من شبه الجزيرة العربية.. خصوصا فيما يتعلق بالفنون علي نحو لم نعهده من قبل.. ما رأيك؟ بالضبط هناك تحول كبير في في الفنون إجمالا، ولعل الرواية أكثرها حضورا واستقبالا لدي المجتمع فبعد تجربة القصيبي الروائية التي طرحت بعض الهموم¬ بجرأة منقوصة¬ لأنها كانت تتحدث عن المكان في الخارج كمصر وبيروت في \\\’شقة الحرية\\\’ و\\\’العصفورية\\\’.. بعد هذه التجربة جاءت تجربة تركي الحمد التي تعد أقرب إلي السيرة الذاتية، وطرحت المكان بل وراهنت عليه حتي في عناوين الأعمال الروائية، لكنها أهملت¬ في تصوري¬ الجانب الفني والجمالي. بعد ذلك جاءت تجربة رواية التسعينيات، وهي من التنوع والثراء بحيث لا يمكن تحديد سمات محددة لها. هناك مثلا أسماء اقتحمت المكان المتنوع في الجزيرة العربية بصفتها أقرب إلي أن تكون شبه قارة، كما حافظت بعض هذه التجارب علي الجانب الفني من حيث اللغة والمعمار الروائي. * وفي القصة القصيرة؟ في القصة القصيرة حدثت هجرة شبه جماعية إلي الرواية، إذ كان في السعودية حسب بعض الاحصاءات أكثر من مائتي كاتب قصة، رغم أن المتميزين منهم لا يتجاوز عددهم في نظري أصابع اليد الواحدة. هذا الكم من كتابه القصة بدأوا في التحول بشكل جماعي وعشوائي إلي الرواية دون أن يدرك معظمهم أهمية العمل البحثي والتمهيدي والتخطيطي لكتابة رواية، فظهرت روايات تراهن علي الشعر فقط، وأسقطت أهمية الحكاية والشخوص والمعمار وغيرها. * ولماذا في رأيك هذه الهجرة شبه الجماعية؟ أتصور أن هذه الهجرة لا تقتصر بالضرورة علي السعودية، فهناك هجرة وتكالب علي كتابة الرواية في معظم أنحاء العالم العربي، ولكن كان لدينا وهم استحالة ظهور الرواية في مجتمع تقليدي محافظ، وهنا أؤكد أنه لم يحدث بعد انفتاح لدي المجتمع ومازالت الرقابة العربية لم تتبدل، والمجتمع من جانبه مازال يحاكم الروائي وشخوصه كما لو كان يكتب الحقيقة. هناك أيضا عامل مهم في الانصراف إلي الرواية، وهو حضورها وأهميتها لدي القارئ إجمالا. أتصور أن المأزق الحقيقي هو \\\’استسهال\\\’ كتابة الرواية كما لو كانت موضوعا صحفيا، ودخل المجال صحفيون عابرون لا يدركون البعد الفني للرواية، وكونها عملا أدبيا إبداعيا له شروطه الخاصة، لذلك تجد في السعودية أن من يكتب الرواية قد يكون مدرسا أو طبيبا نفسيا أو رجل أعمال، وكأنما أصبح لقب الروائي من عناصر الوجاهة الاجتماعية. * وفي الشعر؟ ظهرت منذ منتصف التسعينيات تجربة قصيدة النثر بقوة، وهي ما نسميها اصطلاحا \\\’تجربة 1996\\\’ ولكنها كانت أقرب إلي العاصفة، إذ ظهرت في هذا العام تحديدا نحو 9 مجموعات شعرية عن دار الجديد البيروتية، ثم خفتت معظم هذه الأصوات ولم يتبق منها إلا أصوات تعمل بهدوء وتنشر دون أن تحقق أي حضور أو التفات نقدي. * علي الرغم من أن الرواية الجديدة في السعودية مازالت في بواكيرها الأولي إلا أنها مع ذلك تفصح عن علاقات قوية مع الرواية العربية عموما.. ما رأيك؟ الرواية العربية والعالمية¬ أيضا¬ إرث عالمي متاح للجميع. بل ربما نقرأ نحن في السعودية ما يكتبه روائيو مصر قبل أن يقرأه المصريون، وكذلك مع روائيي سوريا ولبنان والمغرب، هذا إلي جانب اننا نقرأ و نتابع ما يكتبه روائيو العالم سواء عبر الترجمات أو ما نتقنه من لغات أخري. هذه الوشائج حققت¬ فيما أظن¬ التداخل والامتزاج مع الرواية العربية، هذا بالطبع مع الاحتفاظ بخصوصية الرؤية والمكان والموروث والجغرافيا، كما أن التحدي أمامنا في الرهان ليس مع القارئ فحسب بل حتي مع الناشر. وبعد صدور رواية \\\’القارورة\\\’ تلقيت أكثر من ثلاثة عروض من دور نشر عربية مهمة لطبع روايتي القادمة، بينما لم يكن هذا يحدث للروائيين السعوديين قبل سنوات قليلة. بطبيعة الحال، هذه العروض لا تدخل فيها المجاملة أو المصالح، فالناشر في النهاية تاجر يبحث عن الربح، ولولا أن هذه الأعمال تحقق له الربح، لما قدم مثل هذه العروض. * هل تري أن هناك علاقة بين بدايات التململ في المجتمع السعودي، وبين الرواية الجديدة التي تكتب الآن؟ بالتأكيد.. فالكثير من الحواجز والعوائق¬ علي مستوي الكلام الشفاهي لدي الناس في الشارع أو المقهي¬ خَبَت أو زالت، كما أن عالم الإنترنت والكتابة الصريحة¬ حتي وإن كانت خلف أسماء مستعارة قد أزالت الهيبة والرهبة التي يفرضها التابو. أما علي مستوي الرواية فقد حدثت تحولات مهمة علي مستوي الرؤية لدي البعض، تلك الرؤية التي ارتبطت بالموقف أيا كان هذا الموقف، سواء تجاه السلطة أو تجاه المجتمع، الأمر الذي خلق لدي هؤلاء نظرة مستقلة وقادرة علي القول، ولاشك أن التحولات علي المستوي الاجتماعي والسياسي والمطالبات بالإصلاح ومحاولات السعي للديمقراطية قد خلقت مناخا¬ ليس حرا¬ لكنه يحلم بأن ينطلق نحو التحرر. * يري البعض أن الكتاب الجدد في السعودية يشكلون ما يشبه الجزر المنعزلة حتي أن أغلبهم ينشرون أعمالهم خارج السعودية.. ما رأيك؟ لا أظن أن هناك عزلة، صحيح أن الكتاب في المناطق المتباعدة قلما يتواصلون علي المستوي الشخصي، لكنهم بالضرورة يتواصلون علي المستوي الروائي والإبداعي. أما مسألة انتشار طباعة معظم الأعمال خارج السعودية¬ خصوصا الرواية¬ فهي بالدرجة الأولي بسبب الرقابة علي الكتاب في الداخل، رغم أن هناك أسبابا أخري، كيقين البعض أن الناشرين في لبنان هم الأقدر علي تسويق الكتاب وإضفاء مشروعية احتفاء الآخر، إلا أن المأزق الحقيقي هو تخلف الرقابة العربية علي الكتاب، فلم تزل معظم الروايات السعودية تولد وتعيش وتتنفس في بيروت، بينما نحن نحلم أن نراها تتنفس علي أرصفة وطرقات جدة والرياض والدمام! أظن أن مأزق الرقابة مأزق مستعص لأن هناك أكثر من سلطة في المجتمع السعودي، ولعل السلطة الاجتماعية أو لنسميها سلطة التيارات الدينية هي الأكثر سطوة وشراسة وتأثيرا في المؤسسات الرسمية كوزارة الثقافة والاعلام وفيما لو ازيلت هذه القلاع والحصون الرقابية الضخمة فانني اتنبأ أن تحدث في السعودية حركة نشر قد لا تضاهي في الوطن العربي. أقول ذلك لانني اراهن علي وفرة المبدعين ووفرة رأس المال ووفرة القراء الذين يشهد لهم كثير من دور النشر في بيروت اذ يرون ان معارض الكتاب في الرياض وجدة هي الاكثر مبيعا في مختلف العواصم العربية. * لكن الرواية كما تعلم مناخ يتحقق من خلال الدوريات والجمعيات الادبية.. هل تحقق هذا أو حتي في طريقه للتحقق؟ في الحقيقة هناك اجتهادات في بعض الاندية الادبية للاحتفاء بروايات يسمح بها القاريء دون أن يجدها، وهناك أيضا حوارات تتم بين المبدعين والنقاد وأن كانت قليلة ولكنها أحيانا مثمرة. ما أخشاه أن هناك صراعا بين الروائيين في السعودية، وكأنما لا يوجد في البلد سوي مقعد واحد مخصص لروائي واحد، أما البقية فليتحولوا الي أعمال وظيفية أخري هناك الكثير من اللغط والضوضاء حول كثير من الاعمال، بل وهناك هجمات تشنها مجموعات مختلفة منها كتاب الصف الثاني أو العاشر، ومنها هجمات التيارات التقليدية المحافظة التي تحارب أي عمل واضح وقوي وجريء. كثير من الاشخاص الذين أعرفهم وأيضا الذين لا أعرفهم وكذلك أشخاص افتراضيين هاجموني عبر عالم النت ولاموا كتابتي عن المجتمع في رواية القارورة. وقبل ذلك تعرض الروائي تركي الحمد وهوالاكثر استهدافا للعديد من الهجمات والتحريض الذي وصل في احدي المراحل الي تهديد بالتصفية وعلى كل اعتقد أن هذه ضريبة المبدعين الذين يحاولون اختراق التابو في مجتمع محافظ. كل ما أخشاه أن يتحول هؤلاء الروائيون الي مختصين بازاحة أكبر قدر ممكن من التحفظ علي حساب القيمة الفنية، ولكن حتي لو حدث هذا في مرحلة ما، فانه سيتحول الي كتابة متطورة بعد أن ينفذ هؤلاء مهامهم في خلخلة المجتمع المحافظ. جريدة أخبار الأدب المصرية- عدد 610 http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/issues/610/0900.html
0 تعليق