حاوره: نضال قحطان (جدة) يشارك الروائي السعودي يوسف المحيميد خلال الأسبوع الجاري بالعاصمة السورية دمشق في ندوة الثقافة الفلسطينية الأولى بعنوان “القضية الفلسطينية في مائة عام”. “عكاظ” حاورت المحيميد وإصداره الأخير “النخيل والقرميد”
الذي قدم فيه أدب الرحلات إضافة إلى مجموعة من النقاط الأخرى حول الرواية السعودية وأجوائها وأحداثها وأصواتها. • ” النخيل والقرميد” تجربة جديدة لك في أدب الرحلات .. كيف خططت لها وهل تعتقد أنها ستكون إضافة في رصيدك الإبداعي .. وهل تأتي ضمن الأسلوب المغاير الذي تحرص على تقديم ” يوسف المحيميد ” عبره.. • بكل صدق لم أخطط يوماً أن أكتب عن رحلة، صحيح أنني أحيانا أدوّن بعض الملاحظات عن رحلاتي، لكنها لم تدخل يوما في طموح كتابة أدب رحلات، كل ما في الأمر أن دار السويدي في أبو ظبي، المختصّة بأدب الرحلة، والتي أصدرت عدداً ضخماً من كتب الرحلات بعد تحقيقها، ضمن سلسلة أسمتها “ارتياد الآفاق”، قررت أن تصدر سلسلة جديدة بعنوان “السندباد الجديد”، وقامت بالاتصال بعدد من الروائيين العرب، كإبراهيم عبدالمجيد من مصر، وخليل النعيمي من سوريا، وشاكر لعيبي من العراق… وغيرهم، فكان أن تم الاتفاق على اسمي من السعودية، وشرعت بالكتابة منتصف الماضي، وتمّ نشر كتاب “النخيل والقرميد- مشاهدات من البصرة ونورج” مؤخرا.. وأتمنى أن أقدم فيها أي إضافة إلى رصيدي الإبداعي، خاصة أنها تلامس النفس السردي القصصي والروائي أحياناً، في بعض مواقع الكتاب.. • هل حققت المتعة في التنقل بين الأجناس الأدبية.. القصة.. الرواية.. الرحلات.. • ليست المسألة مسألة متعة أو ما شابه، لكنني أحياناً أشعر أن الكتابة المتنوعة تمنح المبدع قدرة على التجديد في نصه الروائي تحديداً، فأن يمتلك الروائي نَفَساً درامياً متميزاً، وحاسة بصرية دقيقة ونافذة، وقدرة عالية على الوصف، ووعياً بالبناء الروائي، وحساسية متفوقة تجاه اللغة، إضافة إلى معارفه وقراءاته السوسيولوجية والسيكولوجية، لفهم أعماق النفس البشرية، كل هذه العناصر لابد أن تقدّم روائياً متميزاً، هكذا أحاول دائماً، فمرة أصيب ومرات أخطئ. • يخشى المبدع أن يكون امتدادا لأصوات ضمن القوالب المشوهة.. هل يتوالد لديك هذا الهاجس؟ • لا.. لا يراودني هذا الهاجس، لسبب بسيط، وهو أنني قارئ جيد كما أظن منذ الطفولة، بالتالي تكوّن عندي حسٌ نقدي تجاه ما أقرأ، وبمعنى آخر أستطيع فرز النص الجيد من الرديء، علماً أنني أحاول أن أنأى عن أن أكون امتداد لأي قالب جاهز ومتداول، سواء كان جيداً أو رديئاً، أحاول أن أصنع صوتي الخاص، فقد أنجح وقد أفشل. • يرى البعض أن الرواية السعودية حققت قفزاتها عبر الأصوات الشابة فيما يتشبث البعض بمقولة أن الجيل السابق لهذا الجنس الأدبي هو الذي أعطاها الزخم والأرضية والتواجد الفاعل.. أيهما تراه الأقرب للحقيقة.. • يا أخي نضال، لا تؤخذ المسائل بهذه الحدّية والقطعية، فلا يمكن أن ننكر دور رواية “شقة الحرّية” للقصيبي وقت صدورها، وكذلك “العصفورية”، كما لا يمكن أن نتجاهل وننسف تجربة تركي الحمد، ودوره في اختراق التابو والمحظور، وحتى لو كان في بعض أعمالهما بعض القصور فنياً، أو أن بعضها انصرف إلى السيرة أكثر من انصرافه إلى الرواية، فإنها قدمت الكثير إلى مسيرة الرواية السعودية، أما الأصوات الشابة، أو رواية التسعينيات فهي بالتأكيد قدمت الاشتغال الفني المفقود، عبر نماذجها المهمة، عبده خال ورجاء عالم وعبدالله التعزي ونورة الغامدي ومحمود تراوري وعواض العصيمي ومحمد حسن علوان وليلى الجهني، هؤلاء وآخرون قد أكون نسيتهم، اهتم بعضهم بالأسطورة، أو التراث، أو الحكاية، أو التاريخ، وبعضهم الآخر نسج رواية من فضاء المدينة وعالمها المخبوء، وبعضهم كرّس لغة الشعر، وآخرون انتبهوا للبعد التأملي والتفاصيل الصغيرة، هكذا تنوعت الرواية مع تعدد أصواتها، وهذا هو ما يحقق القفزة الروائية المتوقعة، خصوصاً بعد عدد من الأعمال لكل واحد من هذه الأصوات، بشكل يمنح الصوت مسمى التجربة، وليس مسمى العمل الوحيد، الذي قد يكون أحياناً مضللا شيئاً ما. • يلحظ الكثير أن هناك حالة من الحيرة والتوجس والقلق في روايتك ” لغط موتى”.. آلا تشعر أن إيجاد هذه الحالة في حيز العمل يسبب إرباكاً للقارئ.. أم أنك تهدف لإثارة هذه الهواجس.. • هذا صحيح، لكن الإرباك كان أساساً متوفراً لدى الراوي، وهو الكاتب نفسه، كان ثمّة قلق وتوجس وخوف، كان ثمة صراع وتهافت من قبل شخوص الرواية، ومن هنا اكتسب معظمهم مظهر الظلال، أو لنسمه مظهر الطيف، كل واحد يعبر سريعاً ويرمي سخطه على الكاتب، ومن ثم بالضرورة على القارئ، هي الرواية اتخذت هذه السمة، لا يمكن أن تتخذ سمة شخوص عاديين وواضحين جداً، كما هم في رواية “القارورة” أو حتى “فخاخ الرائحة”، وذلك لأنه الرواية اتخذت سمة “الميتا رواية”، فهي تحاول أن تثير الأسئلة الشائكة حول الرواية، حول طريقة كتابتها، نمطها، مصاعبها، وهكذا! بمعنى أن إرباك القارئ هو جزء من الإرباك الذي يتعرض له الكاتب إزاء خصومه أو شخوصه! • هل القلق سمة في شخصيتك انعكست على أعمالك الإبداعية؟ • نعم أنا قلق كأن الريح تحتي، كما يقول صاحبنا المتنبي، لكنني لا أعتقد أنه القلق السلبي أو المرضي، هو قلق إيجابي، أراه ضرورياً للمبدع عموماً، شاعراً أو روائياً أو تشكيلياً، فالقلق والتساؤل اليومي في الشأن الإنساني، اجتماعيا كان أو سياسياً، هو أمر ملحّ وحتمي، ومؤثر في تجديد الرؤية والوعي. أما انعكاسه على العمل الإبداعي فهو ليس ظاهراً في النص ذاته، بقدر ما هو ظاهر في تحولي الدائم في نمط الكتابة، من كتابة بسيطة في مجموعة “ظهيرة لا مشاة لها” إلى كتابة إيحائية في “رجفة أثوابهم البيض” إلى كتابة ذات نفس شعري في “لابد أن أحداً حرّك الكرّاسة” إلى كتابة قلق وشك في “لغط موتى” ومن ثم التحوّل إلى الرواية ذات البعد الاجتماعي، مع استثمار اللغة والإيجاز والإيحاء والاستعارة… وهكذا. • لمن تكتب للقارئ العادي أم ذاك النخبوي؟ • أظن أن علينا أولا أن نحدّد من هو القارئ العادي؟ ومن هو النخبوي؟ لم تعد المسألة بهذه البساطة، فأرى أن قارئ الأدب عموماً هو قارئ نخبوي، أما القارئ العادي إذا كنت تقصد فيه من يهب وقته لقراءة الصحف اليومية، فلا أظن أن الكتابة الأدبية تلفت انتباهه أو تعنيه. علينا أن ندرك إذاً أن هناك ذائقة تحكم القارئ، هذه الذائقة من الصعب فهمها والتحكم فيها، فلا يمكن أن نكتب نصاً يرضي كل ذائقة، والنصوص الروائية التي حققت مثل هذا النجاح هي نصوص قليلة ونادرة، فهناك مثلا من روايات العصر الحديث رواية “اسم الوردة” لأمبرتو إيكو، ورواية “عالم صوفي” لجوستاين جاردر، الأولى لأنها اشتغلت على عنصر البناء الروائي المحكم لعالم الكنيسة في القرن السادس عشر فحصدت اهتمام النقاد والمتدينين وغيرهم، واهتمت بعنصر جريمة القتل الغامضة فحققت المتعة والتشويق لدى القارئ البسيط، وكذلك “عالم صوفي” اشتغلت على تاريخ الفلسفة بشكل مبسط من جانب، واهتمت بواقع متخيّل، عجائبي ونادر، لدى الطفلة بطلة الرواية. ما أريد قوله أن الذائقة يصعب التحكم فيها، تخيّل نضال.. حتى باولو كويلهو الذي تشبه رواياته السحر، ويلتهمها القراء في جميع أنحاء العالم، هناك من يهاجمه ويعتبره يستغل وتر حب الغرب المادي للميتافيزيقيا والغيبيات.. تخيّل! أظن أن على الكاتب أن يكتب ما يؤمن فيه، وينسى سؤال: أنا أكتب الآن لمن؟ • ثقافة الإنترنت هل بدأت تقطف ثمارها عبر تجمع الكثير من المثقفين في هذا المساحة من الشبكة؟ • أظن لا، ليس بعد بالشكل الأكثر جدوى، ورغم ذلك أرى أنها جمعت بين المبدعين العرب وغير العرب من جميع أنحاء العالم، عرفت بعضهم ببعض، لكنها حتى الآن لم تروّج للكتاب والمنجز الإبداعي العربي بالشكل الأمثل، كما هو بالنسبة للكتاب في أوروبا مثلا، نحن نحلم بأن يكون هناك تعاون وعمل مشترك بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، بين الصحافة الورقية وبين الصحافة الإلكترونية، لا أن يعمل كل منها في عالمه، لم تزل المواقع الثقافية في الإنترنت إما مواقع جادة وغير فاعلة، أي بطيئة التحديث وبالتالي قليلة الزوار، أو منتديات لا تخلو من الفوضى والعبث، وأفكارها لا تختلف عن أفكار مدرجات كرة القدم! • هل تعتقد أن الإنترنت أتاح البوابة للمثقف ليقدم عبرها نصوصها التي كانت تصطدم بالكثير من الهوامش؟ • بالتأكيد، أظن أن للإنترنت دور حتى في توسيع هامش الرقابة على النص ورقياً، ولكن لم يزل من يرتاد المواقع ويقرأ فيها أقل كثيراً ممن يقرأ الكتاب الورقي والصحافة الورقية. • ما هي الأعمال الجديدة التي تعمل عليها؟ • حالياً دفعت بمجموعتي القصصية “لا مكان لعاشق في هذه المدينة” إلى الناشر، وأعمل هذه الأيام على البحث في رواية جديدة، لا أستطيع الإفصاح عنها الآن، فهي في طور التشكل والتطوير كفكرة، لذا من المبكر أن أتحدث عنها. جريدة عكاظ- العدد 13981 في 6ديسمبر2004م
0 تعليق