في ليلة التاسع والعشرين من رمضان خرجت من جامع كبير ومزدحم بأكثر من ألفي مصل ومصليّة، وذلك بعد انتهاء صلاة القيام، وقبيل أن أركب سيارتي قابلنا، أنا وإبنيّ، رجل باكستاني أو أفغاني، يرتدي اللباس البنجابي المعروف، وأهدى كل من طفليّ قرص “سي دي”، ولم أكترث بما يمكن أن يحتوي عليه هذين القرصين، كوني أحمل مثل غيري، ظنّاً حسناً عمّا يمكن أن يقدمه لنا
الغرباء! أقول الغرباء لأنهم يروجون لنا ثقافة عنف وتضليل وقتل هي أبعد ما تكون عن ثقافة دين عرفناه وآمنا به، دين يكرّس أخلاقياته لقيم التسامح والعفو والصفح والإحسان! في اليومين التاليين، فاتحني صغيري بأن أخاه الأكبر لا ينام الليل من الوساوس والخوف والكوابيس المرعبة، وبعد قليل من الأسئلة اكتشفت أن قرصي “السي دي” كانا عن الجماعات المتطرفة في العراق، التي صوّرت بالفيديو جميع جرائم النحر للرهائن هناك، بكل ما فيها من رعب وانعدام للضمير البشري، والتي لم يرتكبها الإسلام في كل مراحله التاريخية. المؤلم في الأمر، والأكثر مرارة، أن مثل هذه الأقراص بمشاهدها الحيّة المرعبة، يتم توزيعها على الأطفال في المساجد والجوامع في بلادنا، في وقت نحن نعاني فيه من الإرهاب والقتل والتدمير، بمعنى أننا لا نحتاج إلى المزيد من جرعات العنف والدمار، خصوصاً لأطفالنا الذين سيكونون أساس مجتمع المستقبل، وقد خالجتني أسئلة عدة: هل لا أحد يعرف بشخص كهذا يقوم بتوزيع ثقافة القتل في شوارعنا؟ أم يعرف عنه ويقابل ذلك بالصمت والتجاهل؟ ومن وراء هذا الشخص؟ من يموله بالأقراص الملغومة بمادة أشد فتكاً من وسائل القتل ذاتها، كونها تصنع جيلا قاتلا من الدرجة الأولى؟ وهل سيقتصر ترويج هذا الفكر التدميري على المساجد والجوامع؟ أم سيمتد إلى المدارس والجامعات والحدائق العامة والشوارع وغيرها؟ ولعل أكثر شيء جلب لي القلق والحزن، أنني ومهتمون بثقافة الطفل، ظللنا في جميع وسائل الأعلام، المرئي والمسموع والمكتوب، لأكثر من عشرين عاماً، نجابه ما يصدره الغرب لنا ولأطفالنا من عنف ودمار وقتل في الأفلام عموماً، وفي الرسوم المتحركة، وفي مجلات الأطفال خصوصاً، وأرعبني أن هذه الثقافة التدميرية لم تعد تُصدَّر إلينا من وراء المحيطات، بل أصبح مكان تصنيعها وتسويقها وترويجها الشوارع المحيطة بمنازلنا! كم نحن الآن بحاجة شديدة إلى حملات مضادّة تجعل الأطفال يرون الخير والجمال والحب والطمأنينة، بدلا من الشرِّ والقبح والكره والضغينة والقلق! ففي السابق كان الآخر الذي يسوّق ثقافة العنف والقتل واضحاً، وسهل التحديد، ويمكن للمجتمع في كل فئاته وأطيافه أن يتضامن معك، ولكن الآن هناك من هو بين أيدينا، ويتخفّى بثيابنا، ويبني ثقافة قمع ودمار دون أن نستطيع تحديده ومقاومته!
0 تعليق