حرب مشط أم نفط؟

يوليو 28, 2012 | مقالات اجتماعية | 0 تعليقات

لم تكن الحرب عبثاً يوماً ما في تاريخ الإنسانية، بدءاً بإنسان الكهوف، وانتهاء بقاذفات بي52 وصواريخ كروز وتوماهوك! فما قام به الإنسان القديم من صراع وحروب لأجل العيش والبقاء، هو ما يقوم به الإنسان الآن من تدمير للحصول على أرباح تفوق خسائر الحرب! رغم ذلك، تدهشني جملة الكاتب خورخي لويس بورخيس، وهو يصف إحدى حروب أمريكا اللاتينية، بأنها حرب عبثية تشبه

صراع عجوزين أصلعين من أجل مشط! فهذه الحرب إذاً في ظاهرها حرب تفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، أو المشط المخبوء في ملجأ العامرية! وفي باطنها حرب للتحكم بموارد النفط العراقي ومقدرات بلاد الرافدين! ولكنها على أي حال ليست بين عجوزين أصلعين، إذ العجوز العراقي لم يزل يحتفظ بشعيرات فوضوية في مقدمة رأسه، ويحتاج كثيراً، ربما أكثر من غيره، إلى مشط حتى لو كان بلاستيكياً ورخيصاً ومخلوع الأسنان! بينما العجوز الأمريكي الذي يملك العديد من الأمشاط، لن يضيره إضافة مشط جديد يمشط به شعر رأسه الأشقر بعدما يشرب قهوته الأمريكية الصباحية! المدهش أن هذا الوصف ينطبق إلى حد بعيد على الحالتين الأمريكية والعراقية، فأمريكا الأمبراطورية والقوة العظمى الوحيدة التي تتحكم بموارد العالم وبمقدراته تحولت إلى عجوز أصلع مهووس بشعر تطاير تماماً، إلى الحد الذي يجعله ينازع من أجل مشط لا فائدة من الحصول عليه! فليس أكثر دهشة من أن تكون أمريكا التي تتبنى الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، والتي نادت عليها لعقود طويلة، أن تتحول إلى دولة إمبريالية تستخدم القوة لتحقيق أهدافها المعلنة، كتدمير أسلحة الدمار الشامل وإزاحة حكومة بلد ما، وفرض الديمقراطية فيه، وكأنما هي فرع من فروع مطاعم ماكدونالدز يبنى خلال أيام قليلة! وليست آلية ونمط حياة تبدأ من الأسرة فالمجتمع فالدولة! أما الحالة العراقية فهي تجلب السخط والسخرية، وهي أبرز أنظمة الحكومات العربية التي تمارس التضليل والتهويم، وتفتقد إلى الحكمة التي جعلتها لأكثر من عقدين من الزمن تتخبط من حرب مهلكة وطويلة، إلى حرب أخرى لا يعرف سوى الله إلى أين تمضي به، وبشعوب ودول المنطقة المحيطة!!صحيح أنها قد تطول، وصحيح أن العراق قد يحقق شيئاً ما، بالدفاع والتصدي والمقاومة والإستبسال، ولكن هل يغني هذا عن كون رائحة القتلى تزكم الأنوف هناك؟ وهل يغني عن تحوّل لون شط العرب إلى الأحمر؟ وهل يوقف الإستبسال المزعوم دموع الأرامل والأيتام؟ أما أنت أيها السيد بورخيس، وبعد أن حرّضتني على الكتابة عن هذين العجوزين الأصلعين، فلتساعدني على البحث عن المشط موضع النزاع، حتى نحتفل ونحن نرمي به في المحيط، ليغرق العجوزين معاً، بحثاً عن هذا المشط أو النفط! لا فرق!  ــــــــــــــــــ  مقال لم ينشر- كُتب في أبريل 2003م.

 

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *