نحتاج أحياناً إلى مزيد من الأزمات في البلدان العربية، حتى نتمكن من القبض على مؤشرات ودلائل الفشل والهزائم، والبقاء بامتياز لا نظير له في دائرة التخلف والتبعية، فما يدور من حرب طاحنة في العراق، من طرف واحد جبّار يملك كل أنواع الأسلحة والمبرارات وتزوير الحقائق، في مقابل طرف يقع تحت طائلة التضليل وفقدان الحكمة، أوجد الكثير من الأحداث والوقائع التي تمثل دلائل وحقائق
للتخلف العربي! لقد عاشت الدول العربية الصمت الطويل، في مقابل مطالبات مستمرة من دول العالم كله بإيقاف الحرب والرجوع إلى دائرة السلام!! فكان لا بد أن تخرج الشوارع العربية، رغم عدم يقيني بلفظة الشارع العربي الذي يتحرك بالعاطفة والوهم أحياناً. المهم أن المظاهرات التي خرجت في الشوارع العربية كانت تحمل، بشكل كاريكاتوري، صورة الرئيس صدام حسين، وكأنما هي تؤكد أنها لن تخرج عن فلك حياة القمع والدكتاتورية، كأنما هي شعوب تربت على أن تُقاد دوماً، ولا بد من نموذج أو مثال لها، حتى لو كان دكتاتوراً أو مستبداً. كأنما هي تقول إذا كانت أمريكا ستدخل بلداننا وتتحكم بمصائنا ومكتسباتنا ومقدراتنا، فوجود رجل مثل صدام أهون وأقل ضرراً! رغم أن هذه المظاهرات هي في دول عربية لا تعرف الوضع الداخلي في العراق، الذي يكفي منه صعود إنسان عراقي بسيط فوق بناية كي يمزق صورة القائد! اللافت في الأمر، أنه إزاء ما يحمله المتظاهرون العرب من صور لصدام العراق، كان المتظاهرون الأجانب، في مسيراتهم التي بلغت مئات الآلاف، لا يحملون سوى لافتات تشير إلى رفض الحرب، والمطالبة بإيقاف الحرب، ولا للحرب، ولا لحرب من أجل النفط …..وما شابه. وفوق ذلك تبدو المظاهرة سلمية ومنظمة بشكل حضاري، في مقابل المظاهرات العربية التي تنتهي بجرحى وقتلى واستخدام وسائل تفريق المتظاهرين المسموح بها والممنوعة! من هنا هل يمكن قراءة الحالة العربية الراهنة من هذه النماذج البسيطة؟ أتصوّر نعم، فما يتعرض له الإنسان العربي من تضليل وقمع يجعله في المقابل يمارس عنفاً مضاداً، بل أنه أحياناً يشعر أن لغة العنف هي الوسيلة الوحيدة للحوار والتفاهم! وهي اللغة الوحيدة للتعبير واسترداد الحقوق الضائعة! ومع ذلك يمكن لأي شخص أن يمارس التضليل على مجموعات ضخمة من الجموع العربية! ربما ليس أبلغ استخفافاً بعقل الإنسان العربي من أن يبدي الرئيس العراقي رضاه عما تقوم به قواته من ردع المعتدي الأجنبي، إلا إذا كانت ما تبثه الفضاءات ليس واقعاً يومياً في بغداد، بقدر ما هو خدع سينمائية متقنة في هوليود! وهذا التضليل هو امتداد للتضليل في سنوات الهزائم والنكسات العربية المتتالية منذ الخمسينات الميلادية وحتى الآن! ــــــــــــــ مقال لم ينشر- كُتب في إبريل 2003م.
0 تعليق