من الصعب أن نقول أن معرض الرياض الدولي للكتاب لم يحقق شيئاً، أو أن نكرِّر المآخذ عليه، ونعدد عيوبه فحسب، بل لابد من كلمة إنصاف تجاه ماحدث خلال الأسبوع الماضي، من وجود معرض متميز توفرت فيه كثير من العناوين التي لم تكن تجاز من قبل، وحضور فعاليات ثقافية حاول القائمون عليها أن تتنوَّع تبعاً لذائقة القراء ومرتادي المعرض. وحين نطرح المآخذ على المعرض، فليس
بسبب أننا نتحامل دائماً على المنظمين، ونبحث عن كل صغيرة وكبيرة، بل لأننا نشعر جميعاً أننا جزء من هذا المعرض، وأن لنا حقوق كمثقفين وككتَّاب وكقراء على هذا المعرض، نشعر به كما لو كان أبانا الذي جاء إلينا بعد سفر طويل، ألا نتحلَّق حوله، ونتمسح بوجهه المرهق، ونداعبه قليلاً، ونرى أنه أفضل الآباء في العالم! هكذا نشعر أن عليه أن يحقق حلمنا بأن يكون أفضل المعارض في العالم!. لعل المنظمون انتبهوا إلى أن الزحام الرهيب تركَّز على أربع أو خمس دور نشر، كالمركز الثقافي العربي، ومنشورات الجمل، ودار الساقي، ودار المدى، بحيث أنها كادت أن تتحوَّل إلى مجرد حاويات فارغة من الكتب في اليوم الثاني من أيام المعرض! هذا ما يؤكد مادعوت إليه في مقال سابق، وحوارات صحفية وفضائية، بأن على المنظمين أن يستعينوا بمن يدرك درجات أهمية الناشرين في العالم العربي، فهذا العام افتقدنا على سبيل التحديد: دار رياض الريس، ودار الآداب، ودار الجديد في لبنان، ودار توبقال، وأفريقيا الشرق في المغرب، ودار شرقيات ودار المستقبل العربي ودار ميريت في القاهرة، وغيرها من الدور العريقة، والتي بعضها راسلت إدارة المعرض، وملأت نموذج المشاركة قبل نهاية الوقت المحدد، لكن لم يجب عليها أحد من المنظمين!. كان من الطبيعي أن يكون الإيوان الثقافي، أو المقهى الثقافي، في أحد أركان المعرض، وذلك بهدف خلق مناخ بديع بين المؤلفين والناشرين، أوبين المؤلفين والقراء، بل حتى بين المؤلفين والكتَّاب أنفسهم. كما يجب اختيار موضوعات البرنامج الثقافي بعناية، تلك الموضوعات التي تثير الجدل، ودعوة كبار المثقفين والمبدعين في الداخل والخارج، كما أن فكرة توقيع الكتب وتخصيص جناح خاص بها لم يكن موفقاً، فلو أصبح التوقيع في جناح الناشر مباشرة، مع التنويه بمكبرات الصوت إلى أن الكاتب يوقع كتابه الآن في الجناح الفلاني، لكان أكثر جدوى وحرارة من عزل التوقيع داخل جناح شبه مغلق. كما تبين أن أكثر الناشرين اشتكى من الأيام التي تم تخصيصها للعائلات وحدهم، إذ كان عدد زوار المعرض في هذه الأيام قليلاً قياساً بأيام الرجال، فلو تم التخلَّص من فكرة الرجل والمرأة، والحساسية المفرطة تجاه ذلك، وتطبيق نظام الأيام المفتوحة كلها للجميع، كما يحدث في مركز “العزيزية مول” الذي لا يفصله عن أرض المعارض سوى شارع فرعي عرضه عشرة أمتار، وأبوابه مفتوحة للجميع، دون تمييز وتحديد مسبق!. أخيراً، قد يكون تخصيص ضيف شرف لمعرض الكتاب في سنواته المقبلة، أمر مهم للغاية، خصوصاً ونحن نطرح في جدلنا دائماً أهمية الحوار بين الأنا والآخر، وليس أجدى من أن يكون حوارنا عبر المثاقفة، أو الفعل الثقافي الذي يأتي به الآخر، فالعام المقبل تكون بريطانيا، مثلاً، ضيف شرف، وبعدها ألمانيا وفرنسا واليابان والصين وأمريكا اللاتينية، وهكذا. فحضور ضيف الشرف بأجنحته ومؤلفاته وكتَّابه ومفكريه ستكون فكرة رائدة في المعرض. ــــــــــــــــــــ مقال لم ينشر- فبراير 2006م
0 تعليق