لا أعرف كيف تخيّلت نفسي في القاهرة أو بيروت، خلال أيام العيد الثلاثة، والتي تبنت فيها أمانة مدينة الرياض تقديم ثلاثين عرضاً مسرحياً، لعشر مسرحيات للكبار والصغار، بواقع عشرة عروض مسرحية يومياً! كم كان ذلك رائعا ومبهجا! وذلك بصرف النظر عن مضمون هذه المسرحيات ومدى علاقتها بالمسرح من عدمها، بل أن الإنسان الذي كان طوال لياليه الماضية لا يجد شيئاً للترفيه له
ولعائلته سوى مطاعم الوجبات السريعة والحدائق القليلة، وجد نفسه حائراً ومتردّداً: أي المسرحيات أختار؟ وأي النجوم سيجلب لي البهجة والكثير من الضحكات؟ فلا يستطيع في النهاية سوى اختيار ومشاهدة نصف هذه المسرحيات، نظراً لتضارب أوقات عرضها جميعاً، العاشرة ليلا لمسرحيات الكبار الست، والعصر لمسرحيات الصغار الأربع! الأمر ذاته مرّ بنا قبل عشر سنوات تقريباً، حين فتحت وزارة الأعلام خزائنها لتمويل الدراما المحلية، فظهر عدد من المسلسلات الرمضانية المحلية، اشتهر بينها “طاش ما طاش” و “خلك معي” الذي توقف بعد رحيل الفنان محمد العلي، ولم يبق في ساحة الدراما سوى الضجيج الذي يثيره “طاش ما طاش” كل سنه، دون أن تنافسه مسلسلات أخرى، ليس بالضرورة أن تسير وفق إطاره الفكاهي الانتقادي، بل حتى لو في أطر مختلفة، وتحولت خزائن التلفزيون العامرة إلى مجرّد هبات لعدد من المنتجين الفاشلين، الذين يبحثون عن المال دونما البحث عن القيمة الفنية والفكرية التي يقدمونها. كل ما أخشاه أن تتحول خزائن الأمانة إلى وضع مشابه لحال التلفزيون مع الدراما، ويتم توزيع العيديات سنوياً على عدد من المنتجين الذين لا يفكرون ببناء مسرح حقيقي، بقدر تفكيرهم بتحقيق أرباح سريعة وزائلة! ولعل ما يكرّس مثل هذه النظرة هو التهافت المحموم على نجوم مصريين معظمهم متقاعدين، يتم تسويقهم لدينا بجانب ممثلين سعوديين محدودي الموهبة والقدرات المسرحية! رغم أن دول الجوار، خصوصاً الكويت، تزدحم بنجوم جماهيريين شباب، هم أقرب إلى ذائقة جمهور الشباب لدينا! أعود إلى الدراما التلفزيونية، فلو وضع التلفزيون شرطاً منطقياً مع المنتج التلفزيوني المحلي، بدعمه ومنحه الفرصة عددا من السنوات فقط، بعدها يتضح وضع مؤسسة الإنتاج هذه، إما أن تكون حققت نجاحا لتجد لها ممولا من أي من القنوات الفضائية التي تملأ أسماعنا وأبصارنا، وإما أن تكون حققت فشلا لاتستطيع معه البقاء والمنافسة، كي يتفرغ التلفزيون لمنح الفرصة لأكبر عدد من المنتجين المحليين في السوق، ولا يتحمل المبالغ الطائلة للمسلسلات الناجحة، أو الصرف على مسلسلات فاشلة! هذا الأمر سينطبق خلال سنوات قليلة على المسرح ودور الأمانة المخلص تجاهه، بمعنى أن هناك نجوماً ستزداد كلفتهم فوق طاقة المنتج والأمانة، وآخرين محدودي موهبة سيكونون عالة على المسرح والمتفرج الذي يتكبد عناء الذهاب إلى مسرح هو بأشد الحاجة إلى إثبات نجاحه ومتعته وفاعليته، هؤلاء الفاشلون سيتسيدون المسرح لسبب بسيط، وهو أن مؤسسات الإنتاج تحصل على أجر المسرحيه كاملا من الأمانة، بصرف النظر عن عوامل نجاحها وممولها الحقيقي، وأعني به المتفرِّج، ولو كان الرهان مع المتفرج عبر دفع قيمة تذكرة الدخول، لحرصت المؤسسات وانتبهت إلى عوامل النجاح وبحثت عنها. ـــــــــــــــــــــ شوال 1426م.
0 تعليق