كيف أنأى بقلبي قليلاً عن القاهرة؟!

12 مايو، 2012 | مقالات اجتماعية | 0 تعليقات

حين انتهيت من قراءة ورقتي حول تجربتي الروائية في قاعة المؤتمرات في المجلس الأعلى للثقافة الشهر الماضي، سألني أكثر من مذيع وصحفي مصري عن تجربتي وعلاقتي بالقاهرة، وكنت أشير إلى أن مجموعتي القصصية الثانية “رجفة أثوابهم البيض” صدرت عن دار شرقيات بالقاهرة، عند تأسيسها مطلع التسعينيات،

لأجد نفسي بجوار إدوار الخراط في “أمواج الليالي” وصنع الله إبراهيم في “اللجنة” وإبراهيم أصلان في “وردية ليل” ومحمد البساطي في “ضوء ضعيف لا يكشف شيئاً”، ثم جاء تكريمي بعد عشر سنوات على هذه المجموعة من القاهرة أيضاً، من قبل مجلة ديوان العرب ضمن كوكبة مبدعين عرب، في نقابة الصحفيين بالقاهرة، وحين جاء تدشين صوتي عالمياً، أيضاً كان لابد أن يمر عبر شارع محمود محمد المتفرع من ميدان التحرير بالقاهرة، حيث قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لأوقع عقداً لنشر روايتي الثانية “فخاخ الرائحة” بالإنجليزية، والتي من خلالها تم بيع حقوق نشر الرواية بلغات العالم إلى دار بنغوين في نيويورك، وهي بالمناسبة – كما أظن- الرواية العربية المترجمة الثانية التي تصدر عن هذه الدار العريقة، بعد رواية “الزيني بركات” للروائي جمال الغيطاني.
هكذا تحاصرني القاهرة وتسوقني أماماً، كلما حاولت الخلاص منها، كأنما كنت طفلاً يحاول التمرد عليها، لكنها كل مرة تمسح على رأسي لتخبرني أنها تراني أينما كنت!. قلت لنفسي سأكتب رواية أرمي فيها كل فضاءات القاهرة التي أحبها، بعد كتابة قصيرة عنها في كتابي “النخيل والقرميد” في أدب الرحلة، كنت أتذكَّر اليوناني كازنتراكي حين كتب أول محاولة، وهي عمل قصير بعنوان “الزنبقة والثعبان”، كتبه بهدف التخلص من حبٍّ مراهق ظل يخنق ذاكرته حتى بعد انتهائه، يقول أنه حين كتب هذا العمل فتح النافذه وتنفس بعمق، ونسي حبه الأول بشكل نهائي، هكذا كتبت روايتي الأخيرة “نزهة الدلفين” وكان بالمناسبة عنوانها في المخطوطة الأولى هو “الدلافين تزور النيل”، كان الفضاء العام للشخوص: خالد اللحياني، آمنة المشيري، وأحمد الجساسي، هو عالم القاهرة البهي، حيث الليل والنيل والحسين وقهوة الفيشاوي ووسط البلد حيث طلعت حرب وشارع قصر النيل ومقهى جروبي، رغم أن القاهرة جاءت كالظلال، وأن الدقِّي كانت تظهر بشكلها الحميم في الليل، إلا أنني لم أستطع التخلص من القاهرة، اللعنة كازانتزاكي، لم تفعل بي “نزهة الدلفين” ما فعلته بك “الزنبقة والثعبان”!.
هل المدن غير النساء، كلما كتبنا عنهن إزددنا ولعاً بهن! أظن ذلك، فما كتبته عن مدينة نورج، شمال شرقي لندن، لم يخلِّصني منها، بل جعلني أبحث في الجزئيات مالم أكتبه عنها، هكذا أتفحَّص المدينة أكثر، فتأسرني حتى لا أكاد أرى شيئاً سواها! القاهرة لم تكن بعيدة عنِّي يوماً، فمنذ بداياتي أيام الجامعة، كنت أراسل الصديق إبراهيم أصلان، أواخر الثمانينيات، عند صدور مجموعتي الأولى “ظهيرة لا مشاة لها” ولم أكن أتوقع أن يكون من هو من تفاصيل المكان، بضحكته الودود وشاربه الكث، وانغراسه كشجرة عتيقة في “إمبابه” قبل أن يخونها منذ فترة قريبة، ويهجرها إلى عالم جديد!.
هل قاهرة الحكايات هي التي تأسرني؟ أم قاهرة الفاطميين والمماليك والتاريخ الضارب في العمق؟ أم قاهرة الحسين وسور الأزبكية؟ أم تفاصيل قاهرة نجيب محفوظ؟ أم قاهرة الغيطاني التي يعرفها كخطوط كفِّه؟ أم ليل قاهرة وسط البلد وطلعت حرب وقصر النيل؟ قاهرة جروبي والغريون وريش وزهرة البستان؟ أم قاهرة عمارة يعقوبيان التي خلدها الأسواني وجعلها مزاراً؟ أم قاهرة الطفولة التي تربَّت على قصص سلسلة المكتبة الخضراء ودار المعارف في شارع عبدالخالق ثروت؟ أم قاهرة الستينات وأفلام الأبيض والأسود؟ قاهرة أم كلثوم وعبدالحليم وأحمد رامي؟ أم فتنة أحمد زكي وظاهرة هنيدي؟ أم قاهرة السخط وارتفاع الأسعار؟ هل هي قاهرة الصوت العالي أمام الفساد؟ أم السخرية المرَّة تجاه الألم؟ أم قاهرة صنع الله وسخطه ورعشة كفَّيه؟ أم هي تأمل إبراهيم داود وإيمان مرسال وهدى حسين؟ أم العم مدبولي بجلابيته وصرامته؟ أم هاشم صالح وهو يلوِّح لي لحظة أن أركب التاكسي في شارع قصر النيل؟ أم أبهة حسني سليمان في شقته ذات الطابع الأوربي في دار شرقيات؟ أم الناس البسطاء الذين أعرفهم جيداً، أحبهم ويحبونني، والذين لن تتسع الصفحة لذكر أسمائهم؟ إنها القاهرة بكل تفاصيلها لا تزال تطوف فوق رأسي كل صباح كفراشة ملوَّنة!.

————————
نشر في جريدة “أخبار الأدب” المصرية
نشر بتاريخ 24-08-2007 

رجل تتعقبه الغربان: ملخص الرواية

رجل تتعقبه الغربان: ملخص الرواية

يظهر خيط السرد بطريقة جديدة، لا تبدأ بالحاضر، وحظر التجول في مدينة الرياض، أو أربعينات القرن الماضي، ورصد المدينة المحصَّنة بأسوارها الطينية فحسب، وإنما القفز بالزمن في مغامرة مختلفة نحو المستقبل، من خلال منظار روسي...

أكمل القراءة

تلك اليد المحتالة – مختارات

تلك اليد المحتالة – مختارات

لبس ما ظنه الرجل الجالس أمام النافذة حمامة بيضاء بأربعة مناقير وعُرف… كان قفازًا منفوخًا ليد هاربة من وباء، دفعها الهواء بخفَّة. هكذا اكتشف الرجل الوحيد في عزلته. طائرات كلما انفتح باب السوبرماركت الكهربائي عن...

أكمل القراءة

في مديح القاهرة

في مديح القاهرة

ذاكرة الدهشة الأولىقبل ثلاثين عاما تقريبًا، تحديدًا في يناير من العام ١٩٩٢ زرت القاهرة لأول مرة في حياتي وأنا في منتصف العشرينات. جئت لوحدي لأكتشف معرض القاهرة الدولي للكتاب في مقره القديم بشارع صلاح سالم. لا أعرف...

أكمل القراءة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *